الاستنتاجات المتسرّعة في لقاء الحريري – فرنجيه تحجب متغيّرات جدّية نحو صيغة حلّ
روزانا بومنصف/النهار/24 تشرين الثاني 2015
الاهمية التي استحوذ عليها لقاء الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجيه في باريس، والذي تم انكاره علنا من الجهتين من ضمن حرص كل منهما على حلفائه على الارجح، ولضمان بقاء ارتباطاتهما من دون اي تغيير، وذلك قبل ان يتم تأكيد اللقاء على ألسنة نواب مستقبليين، تكمن في انه يستكمل دائرة اللقاءات الايجابية التي عقدت وتعقد بين مختلف الاطراف في الحد الادنى، او ربما تساهم في الانتقال الى التفكير في صيغ خارج العلبة كما يقولون، وفقا لما هو متداول منذ اكثر من سنة ونصف سنة على الشغور الرئاسي. لكن ذلك لم يمنع جموح الخيالات الى تناول اللقاء من زاوية الانتخابات الرئاسية، في سيناريو يكرر ذلك الذي اعتمده العماد ميشال عون قبل اكثر من سنة، يوم التقى الحريري في باريس وسط جملة اسئلة وحساسيات وحملة انكار مماثلة لتلك التي حصلت قبل ايام، لكنها اكتسبت جدية كبيرة. وهذه الاسئلة والحساسيات اثارها اللقاء وعبرت عن نفسها في مواقف لقوى حليفة لفرنجيه، بدت مستفزة، مؤكدة استمرار دعم “حزب الله” ترشيح العماد عون وعدم التخلي عنه، وقد ارفق موقف الحلفاء بالدعوة الى انتخاب الرئيس القوي الذي لديه شعبية، علما انه قد يكون من الصعب انكار هذه الصفات على فرنجيه من الحلفاء او الخصوم. وفي موازاة ذلك، بدت القوى الاخرى ايضا مستفزة باعتبارها لم تكن على بينة ايضا او لم تكن على علم مسبق. الا ان هذه الاهمية تتضاءل بالنسبة الى مراقبين سياسيين، امام عاملين اساسيين وجوهريين، على رغم ان هذه الحركة السياسية تكسر جمودا سياسيا، بل مراوحة في الدائرة المقفلة، بحيث تشهد اندفاعا على وقع كلام الامين العام ل” حزب الله” السيد حسن نصرالله عن تسوية شاملة وترحيب من الرئيس الحريري بهذا الكلام. لعل العاملين الاساسيين ينطلقان بداية من الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران حيث التقى مرشد الجمهورية الايرانية علي خامنئي، وما اذا كان يمكن الطرفين الحليفين للنظام السوري الاتفاق على صيغة واحدة لمقاربة الحل في سوريا وامكان انطلاق مؤتمر جنيف 3، باعتبار ان التمايز كبير بين الجانبين الايراني والروسي وقد تكون مسؤولية روسيا بالذات ابلاغ ايران ان بقاء سوريا موحدة يفترض حكما رحيل بشار الاسد لانه من المستحيل ان تتحد سوريا مجددا تحت سيطرته، او ان يقبل السوريون في كل الاراضي السورية بالخضوع لحكمه مجددا، حتى لو كانت ايران وروسيا تحاربان الى جانبه، بل لعل هذا العامل الاخير يشكل سببا مباشرا آخر لعدم القبول بذلك، في حين انه لا يمكن الدفاع عن بقاء بشار الاسد او ان يكون هناك احتمال لذلك ما لم تتقسم سوريا، فيضحي الاسد رئيسا على القسم الذي يستطيع السيطرة عليه مع حلفائه. واستتباعا لذلك، فإن ثمة صعوبة يراها المراقبون السياسيون في امكان ان تظهر بوادر حلول جدية في لبنان ما لم تتضح اتجاهات ايران من جهة، وقبل ان يتبلور الوضع في سوريا من جهة أخرى، وسط تطورات متسارعة في غاية الاهمية بدأت تفرض تحولا في هذا الوضع بناء على تدخل متعدد الطرف والجهة في سوريا، ولاسباب مختلفة. هذه التطورات احدثت بدورها متغيرات في مواقف دول المنطقة من التدخل الروسي، الذي وان يكن في موقع تحالف واحد مع ايران والنظام السوري، فانه في حاجة الى ان يستمر غطاء دول عربية قائما ولو في شكل ملتبس او نسبي. يضاف الى هذه العوامل التي تلجم جزئيا الاندفاعات الى حلحلة في الداخل اللبناني بناء على حركة سياسية نشطت اخيرا، ومن مؤشراتها لقاء الحريري- فرنجيه، ان السعودية وايران لا تزالان في اوج صراعهما، اذ ليس خافيا أن المملكة عازمة على مواجهة التدخل الايراني سياسيا حيث وجد في دول العالم العربي ، الامر الذي لا يترك مجالا كبيرا للمخيلات اللبنانية الخصبة، أقله في المواعيد التي بدأ البعض بتحديدها لحلحلة داخلية، في ضوء المواقف الايجابية التي صدرت اخيرا.
واستحضار العوامل الاقليمية في اطار لقاء يشكل حدثا نتيجة الاصطفافات السياسية في البلد، بامتدادات اقليمية، يكتسب اهميته على قاعدة ان الكلام جديا عن حلول لا يمكن ان يتلاءم الا مع جدية في الحلول للوضع السوري اولا، وما لم يبت مصير الاسد من حيث المبدأ، سيكون صعبا عزل جملة عوامل متصلة بالنظام السوري. وحين يعلن نواب مستقبليون عدم امكان القبول بسليمان فرنجيه مثلا بدلا من ميشال عون للرئاسة باعتباره من ضمن الاصطفاف السياسي لقوى 8 آذار، واكثر، من ضمن العلاقة المباشرة والوثيقة لفرنجيه مع الاسد، ليس رفضا لفرنجيه على الارجح ولكن طمأنة لقواعدهم من استبعاد اي صلة للتأثير السوري سواء كان حقيقيا او لا، فانما يستند ذلك الى الصلة التي لا يمكن تجاهلها، مع ان هذا التأثير تراجع جدا وباتت الكلمة لايران، ليس في لبنان فحسب بل في سوريا ايضا، حيث اصبحت هذه الكلمة لكل من ايران وروسيا ولم يعد النظام يشكل حيثية مؤثرة.
هذه المقاربات تبدو متسرعة في استخلاصاتها. لكن ثمة من يثير اسئلة على قاعدة ما اذا كانت ثمة عناصر جديدة غير محلية حصرا يمكن ان تكون دخلت في الحسابات، بناء على متغيرات المواقف التي عبر عنها بعض الاطراف، او ان هناك مجرد رصد للمياه وفق التعبير الغربي.
إلى أين يقود الزعماءُ اللبنانيين؟
محمد يوسف المجذوب/النهار/24 تشرين الثاني 2015
زهقنا ومللنا، بل كفرنا بما يسمى زعماء وتقليد زعامات في لبنان، وكم صار ممجوجاً ومعلوكاً ومقززاً ما يسمى مطالبة زعيم ما بحقوق طائفة ما، لأنه ثبت بالدليل والبرهان أنها فذلكات لاتعدو استخفافاً بعقول الناس واستغلالاً لهم. أربعون عاما وهذه النغمة المقيتة المغرضة تمزق بلادنا، ولم نحصد منها الا الفشل، اذ لم تستغنِ الطوائف عن بعضها، ولم تغنِ أفرادها عن الهجرة.. ولم تبنِ وطناً أو تؤمن ابسط حقوق الانسان في العيش.. من الاستقرار والامن الى الوظيفة والصحة والبنية التحتية والاقتصاد المريح والنجاة من الضرائب القاسية ولا حتى الخصوبة والولادات!. أين المقارنة بين حياة الزعماء المتباكين من البذخ والقصور والمقتنيات والولائم وحجوزات السفر والسياحة والفنادق الفخمة والسيارات والعقارات والطائرات وكل اشكال الترف.. و اين منها حياة (الرعاع) الشعب الذي يعاني الأمرين في تأمين قوته وصعوبة معاناته لتثبيت رجليه على الارض؟ يستخدم الزعيم ابناء ملّته مطيّة لدوام زعامته واستمرارها.. فيحرضهم ويدغدغ عواطفهم زوراً وبهتاناً ويوهمهم انه يعمل لصالحهم. وفي الواقع يبقى طوال الوقت ممعناً بتجهيلهم وعرقلتهم وتعطيل معاملاتهم، وحرمانهم ابسط حقوقهم وحاجاتهم اليومية والضرورية، كي يبقوا زاحفين لاهثين كمن يشارف على الرمق الاخير.. يحتاجون عطفه.. وفتات موائده ودريهمات صدقته.. وفضل وساطته والدجل عليهم (اقتل وتعال مسّح بهذه الجبّة) واقامة المآدب الموسمية التي تطعم المواطن يوما وّتجوّعه دهراً، وكم من عقود مرّت من الضحك على الذقون واستحمار الناس وشرائهم بالرخيص: فهذا يحضرون له رخصة “فيميه” للسيارة.. وذاك رخصة حمل سلاح، وآخر بطاقة خط عسكري، وغيره وظيفة حارس. أربعون عاماً لم يلتفت زعماء لبنان الى الله يوماً، لم يطوّروا قانوناً للصالح العام لم يفكروا على رغم الذكاء والدهاء بتطوير دستورهم او تأمين ابسط مقومات الحياة ليتسنّى للناس البقاء، ولم يعيدوا تأسيس الوطن ولا الدولة المنيعة، لم نرَ زعيماً ممن يدّعون الصدقة والكرم، يقلد الرسول الكريم عندما قال لسائل يطلب مساعدة من بيت المال: اذهب وابتع حبلاً وفأساً، ثم أرشده الى الغابة يقتطع الحطب ويبيعه.. فكان أن أصبح مكتفياً ومفيداً ومساعداً للغير. لم نرَ مسؤولاً يستقيل شارحاً لموكليه عدم قدرته على التغيير والاصلاح الذي يراه لمصلحة الوطن والشعب ! اما عشوائية فرض الضرائب وعدم الدراية بها، فانها توحي وكأن السلطة اصيبت بداء الكلب المالي امام التزامات الخزينة (العاجزة) بدفع رواتب الموظفين، ودفع ما يسمى (تجميلاً) بخدمة الدين.. لاموال نهبت ووضعت على اكتاف المواطنين اللبنانيين الغلابى والمتزايدة ككرة الثلج، والتي لاطائل لهم بتحملها او القدرة على سدادها، والافلاسات الواقعه تشكل 90% للمؤسسات الاقتصادية الوطنية. ومن الاستهجان أمام ارباكات أهل السلطة: الترويج لضريبة الأملاك المبنية، وجهلها أو تجاهلها بلاء الناس ومعاناتهم مع المشاكل العقارية التي يتخبطون فيها داخل المدن والقرى اللبنانية، التي ما زالت من دون تنظيم، اذ هي أملاك موروثة لأكثر من ثلاثة أجيال، وأصبح للمالك المدون في الصحيفة العقارية عشرات الورثة والولادات وفي هذا ما يدل على كارثة عقارية، لأن هؤلاء شيّدوا بيوتهم على طريقة التراضي والميراث وعدم التخطيط والمواصفات اللازمة، وهم عاجزون عن تسجيلها رسمياً والاستفادة من قيمتها العقارية… ويروجون لضريبة الأملاك المبنية، فالى أين سيؤدي هذا التناقض والتخبط؟ فأين الزعماء؟ ولماذا لم يقم أولئك الغيارى المتباكين على حقوق الطوائف بصياغة المراسيم واجراء عملية مسح عقاري مدروس… وتسوية ممتلكات الناس؟ وبذلك يؤمنون عملًا لجزء يسير من المهندسين المتخرجين بدل تقديمهم قرابين على مذابح السفارات… و يدخلون موارد كبيرة الى خزينة الدولة التي تشبه من يعبئ الماء بالسلة. وكذلك فان المواطن بحصوله على صك للملكية والورقة الزرقاء، سوف تتحسن قيمة عقاره وقد يستثمره بقرض مصرفي يطور عمله وحياته. ألا لهذا الجنون من نهاية؟ أما لهذه السيناريوات الشيطانية من توقف لعدم أخذ الوطن الجريح نحو المجهول؟ متى يستفيق المواطنون اللبنانيون ويعتذرون عن تصديق زعمائهم، ويستغفروا ربهم على ما سلف من الكفر في خدمتهم وتأليههم،ويفتشوا عن بدائل علمية متعظين بمن سبقهم ونجح بتحقيق جزء وفير من الديموقراطية وتأمين عيش الناس في حدود تليق بكرامة الناس.
مهنة البحث عن الراتب
عماد موسى/المسيرة/23 تشرين الثاني/15
كلما التقى زميلان في مهنة البحث عن الراتب لا المتاعب، يكون المعاش المتأخر ثالثهما. دفعوا؟ لم يدفعوا بعد. موعودون بدفعة على الحساب. سيدفعون. ومهما تأخر جايي. لي صديق يعمل في وسيلتين واحدة مسموعة والثانية مقرؤة ومملوكتين من جهتين حليفتين، أخبرني في أمسية صيفية: أشعر كصحافي كأنني متطوع في الدفاع المدني والصليب الأحمر. وللصيف تتمة، في الماضي الجميل تعرّفت إلى زميل يعمل 3 ساعات في اليوم الطويل، ويخصص باقي ساعات يومه لتلبية دعوات المآدب ولو جاوزت الست. أكثر من مرّة اضطر لقطع غداء أقيم على شرفه لينقضّ على كوكتيل فرح. وهو اليوم ينق. المعاش ماشي. لا مشكلة لكن الأعشية متعثرة. لكل صحافي حظوظه وفرصه وقد تعاقبت على عمري المهني فرصٌ فيها جوانب غريبة وطريفة وأكثرها طرافة جاءتني في النصف الأول من الثمانينات على غفلة من إيقاع أيامي. اتصل بي صديق لبناني هاجر إلى الولايات المتحدة على أمل أن نعمل معاً ذات يوم في واشنطن، بعد أن أنشّط لغتي الإنكليزية، وشاءت الظروف ألاّ يتخلي وطني عنّي بسهولة. في الاتصال الذي جاء بعد عاميّ انقطاع التواصل في ما بيننا، طلب مني أن أرصد في الصحف والمجلات العربية كل ما ينشر عن فيلم رامبو 3 أو رامبو 2 ما عدت أذكر… وأن أرسل المقتطفات الصحافية بالفاكس (رزق الله على هاتيك الأيام) إلى واشنطن لتطّلع الشركة المنتجة (كارولكو) على مدى اهتمام العالم العربي، وصحافته، برامبو. كان صديقي المحامي على علاقة مهنية بالشركة المنتجة وحريصاً على أن أجتاز خط الفقر في أقرب فرصة. سألته عن المدة الزمنية التي ستستغرقها هذه المهمة “البحثية” فقال: كل مدة تصوير الفيلم. ولم أسأله عن الشيء المهم الذي يداعب أحلامي (الراتب) لكنه أسرّ إلي ّ بالمفاجأة: “سندفع لك 25 ألف ليرة عدا مصاريف الفاكس والبريد “وكان راتبي الشهري آنذاك 1735 ليرة لبنانية لا غير! للحظة كدت أبلع لساني لكني تمكنت، على رغم هول الخبر، أن أتماسك وشرعت أتابع كل شاردة وكل واردة تتعلق بنجمي المفضّل ونجم حظي السيد مايكل سيلفسترأنزيو ستالون وبقيت مسكوناً برامبو ستة أشهر كانت كافية لشراء أول سيارة أقودها، اشتريتها بصحة جيدة ثم تدهورت بمرور الزمن والقذائف والأهوال وأذكر أنني بعتها (أو تخلصت منها) لقاء 333 دولاراً فقط لا غير. وفي العام 1997 كنتُ في مدينة “كان” الفرنسية أتابع فعاليات الدورة الخمسين للمهرجان السينمائي، ووقعت عيناي على سيلفستر ستالون خارجاً من أحد الفنادق وحوله ثلة من الحرس الشخصي، حاولت الاقتراب منه، كما الحشود، لا ليوقّع لي على أوتوغراف بل لتهنئته على الدور الرئيسي الذي لعبه في حياتي. وفي الأمس علمت أن سيلفستر ستالون عاد في فيلم greed ضمن سلسلة روكي. عاد مدربا لا ملاكماً. تُرى ألا يحتاج روكي إلى مستشار إعلامي؟ أنا في الخدمة ومار رح نختلف على السعر.