فرحة الحريّة تنغصها حسرة العالقين في الأسر وعلى التسوية الشاملة أن تلحظ مرحلتين: قبل وبعد سقوط بشّار
وسام سعادة/المستقبل/02 كانون الأول/15
القياس السقيم، سواء في لبنان أو في سوريا، هو الذي ينطلق من القول بأن «بشّار ساقط» الى التقرير بأن «بشّار سقط»، ثم يبني على المبالغة، والتخليط الزمني، والتنقل الملتوي بين ما هو معنى رمزي وما هو معنى حرفي، جملة من التحليلات والخيارات والمسارات، وينتظر من الآخرين مبادلته النظر الى ما يقدّمه على أنّه معطيات وبداهات. لا يخدم هذا القياس المغلوط التسريع بسقوط نظام آل الأسد أبداً، بل العكس. هناك اختلاف كبير بين أن ترى أن نظام آل الأسد «آيل الى السقوط»، وأن أحداً لا يمكنه انقاذه من هذا المآل، وأنّ اعادة سيطرته على سوريا مستحيلة، وبين أن تقول بأنّه «ساقط ما دام بحكم الساقط».
الكثير من المطروح لبنانياً بشكل ملتبس ولا يخدم الغرض المعلن بسبب هكذا قياس مغلوط. المنطق الذي يبدأ بأنه «ما دام بشار الأسد ساقط، أي ما (يساوي القول) إنه ما دام قد سقط، وجب أن يعالج هذا الملف أو ذاك بهذه الطريقة وليس بتلك، كي تواكب تداعيات ما بعد السقوط». التعامل مع مصير النظام البعثي كما لو كان في انتظار إماتة رحيمة يتمّمها الاتفاق الدولي حولها هو في غير محله. انه نظام احتضار حيوي دموي مزمن أكثر من كونه نظاماً محتضراً مؤجَّلاً إنهاء وجوده الى حين الاتفاق على كيفية دفنه. النظام البعثي الفئوي انحسرت كثيراً رقعة سيطرته في سوريا وهو أعجز عن التمدد مجدداً الى مناطق خسرها رغم التدخلين الايراني والروسي. لكنه نظام لا يزال هنا، وهو نظام سلاح المدفعية بالدرجة الأولى. التركيبة التي تصنع هذا النظام ليست في وارد أن تتحلّل من تلقائها سريعاً. الحل السياسي تحت الرعاية الدولية يمكنه، صحيح، ان يتطور في أي لحظة، لكن لا شيء مضموناً هنا أيضاً قبل إتمامه. التحاليل التي تروّج، ولا تبدي قلقاً بإزاء تعددية الاحتمالات والمسارات المتخيلة أو الممكنة، وتستعيض عن الترجيح المتأني والحذر والمتحرّك، بالمماثلة بين «وجود ناقص» وبين «ناقص وجود»، تمنعنا كلبنانيين من وضع أسس صحيحة لإدارة عملية اعادة الحياة الى المؤسسات الدستورية الشاغرة أو المعطّلة، لأنها تمنعنا من مقاربة مستويين بشكل واقعي: التدخل السوري في لبنان، والتدخل اللبناني في سوريا. فلا الأوّل مستوى منقرض، ولا الثاني مستوى منفصل عن نتيجته الداخلية التي منها شغور الرئاسة. لا يعني ذلك وجوب الامتثال للمنطق العبثي المقابل الذي يعتبر أنّه ما دام «الحسم» لم يتمم في سوريا يمكن الركون الى ترك الأمور عالقة في لبنان دون بَت ودون محاولة للبَت. لأجل ذلك فإنّ «محاولة البت» التي نسميها «تسوية شاملة» في الأسابيع الأخيرة، عليها أن تنجز شموليتها هذه، فهي ليست من كل أطراف الخلاف الأهلي بحكم الجليّ والمعطى. عليها أيضاً أن تقسّم نفسها منهجياً بين «بدايات التسوية» المتعايشة مع مرحلة لا يزال نظام آل الأسد مستمراً، وبين «عمق التسوية» وما يرصد له في مرحلة ما بعد سقوط النظام، أي ادراك أننا لسنا في المرحلة الأخيرة هذه، واتخاذ الرغبات وقائع، واعتبار ان لحظة لا بد آتية هي لحظة بحكم الآتية أي لحظة أتت بالفعل، هو منزلق ضار سياسياً في غالب الأحيان، ومغامر سياسياً في كل حين.