لا صوت يعلو
عمـاد مـوسـى/لبنان الآن/01 كانون الأول/15
قطع السيد أحمد الحريري، أمين عام “تيار المستقبل”، إبن عمّة رئيس التيار الأزرق، الطريق على بعض الأصوات المعترضة على تسويق الصفقة الباريسية، بالقول إن “لا صوت يعلو فوق صوت الرئيس سعد الحريري في تيار المستقبل”، مستوحياً من كلام الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر الذي قال في العام 1967 “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، في إشارة واضحة إلى ضرورة اعتماد خطاب سياسي واحد في مصر، وقد ترجَم الزعيم المصري هذه المقولة بكمّ أفواه معارضيه. أحمد ليس في هذا الوارد. وكذلك الشيخ سعد. يفتح كلام سعادة الأمين العام الباب على ديمقراطية الأحزاب اللبنانية وكيفية اتخاذ القرارات السياسية الكبرى فيها، ودور المكاتب السياسية والهيئات التنفيذية والنواب والوزراء في رسم سياسة الحزب العامة وآليات تفعيلها. إختصر الشيخ أحمد كل المسارات بجملة واحدة: “لا صوت يعلو على صوت الرئيس سعد الحريري”، بمعنى أنّ الحالة الإستثنائية التي نعيشها تفترض أن يمسك رئيس التيار منفرداً بناصية القرارات الكبرى ومنها خيار ترشيح الزعيم الزغرتاوي سليمان بك فرنجيه لرئاسة الجمهورية اللبنانية في إطار تسوية لا تربح فيها 14 آذار من حزب الله أكثر من سمك بالبحر. القرار اتُّخِذ وكلّ من لديه رأي آخر فليحتفظ به لنفسه. هذا لسان حال الشيخ أحمد. وحتى في الحالات العادية فالقرار ينزل من فوق ولا ينبثق من تحت.
وما يصحّ على “المستقبل” كحزب فتي، ينطبق على حزب عريق كالحزب التقدمي الإشتراكي (تأسّس في كانون الثاني 1949)، ولا حاجة لكي يبلّغ مفوّض عام الحزب من يعنيهم الأمر أن لا صوت يعلو على صوت وليد جنبلاط، وبقدر ما فوجئ نواب المستقبل بقرار رئيسهم كذلك فوجئت قيادات الإشتراكي بانعطافة 2 آب 2009. ومع الوقت استوعبت الخيار الصائب. ويخطئ من يعتقد أن الهيئة التنفيذية في حزب القوات اللبنانية تحدّد السياسة العامة للحزب، وتحدّد الخيارات الكبرى، كالتقارب مع التيار أو ترشيح رئيس الحزب لرئاسة الجمهورية أو السير بهذا القانون الإنتخابي أو ذاك. واقع الحال أن رئيس الحزب يقرأ المعطيات. يتّخذ القرارات. يرسم السياسات. والباقي تفاصيل. وكما في “القوات”، كذلك في “التيار الوطني الحر”، لا صوت يعلو على صوت العماد ميشال عون. أتتخيلون الدكتور نبيل نقولا يطلب التصويت على فرمان عوني؟ وهل كسر المكتب السياسي لحزب الكتائب اللبنانية يوماً كلمة الشيخ بيار أو الشيخ أمين أو الشيخ سامي أو حتى الشيخ كريم؟ لا صوت في حركة “أمل” يعلو على صوت “الإستيذ”. ولا صوت في حزب البعث العربي الإشتراكي – فرع لبنان يعلو على صوت الدكتور بشار. وهلمّ جرّاً يميناً ويساراً. إن الأنظمة الداخلية في الأحزاب اللبنانية مهما سمت وحاكت أنظمة الأحزاب الأوروبية فهي لا تصلح لبيئتنا ولا تتوافق مع طبيعة اللبناني الذي يسلّم للقائد إتخاذ القرار بما يراه مناسباً لمستقبل لبنان وبنيه. القرار ينزل من فوق ولا ينبثق من تحت.
من يقبل بـ “رئيس – أمر واقع”؟
عبد الوهاب بدرخان/النهار/2 كانون الأول 2015
لو لم تكن المسألة تتعلّق باستحقاق على هذا المستوى من الأهمية، ولا يتحمّل الهذر، لصعب الاقتناع بأن الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط جدّيون فعلاً في طرح النائب سليمان فرنجية مرشحاً لرئاسة الجمهورية. والمشكلة ليست في شخص المرشح، فهو زعيم منطقته الشمالية (زغرتا) وتياره المحلي (المردة) بلا منازع، وابن بيت سياسي لا شك في ذلك، له حلفاء وأصدقاء سياسيون محدّدون، وله خصومٌ كثرٌ راكمهم في أعوام نظام الوصاية السورية وفي سياق تعصّبه لذاك النظام. ساعدته تقليديته في قبول انفتاح من بعض هؤلاء الخصوم لكنه أبقى تواصله معهم في اطار متحفّظ، اذ كانت العلاقة مع آل الاسد في رأس محدّدات سياسته وظلّت أهمّ عنده من أي علاقة اخرى. وما بدا أشبه بعزلة عاشها في الأعوام الأخيرة، بل أشبه باستقالة من السباق الرئاسي، تبيّن الآن أنه مجرد انتظار لفرصته التي أنضجها الواقع وانسداد الآفاق.
المشكلة أن ادارة الدولة اللبنانية بحالها الراهنة تتطلّب خياراً مختلفاً، وهو ما يعرفه جيداً بري والحريري وجنبلاط. المفارقة أنهم يقدّمون فرنجية كما لو أنه “مرشح توافقي” مع أن مواقفه واقتناعاته التي يجهر بها ليست توافقية، وهو لم يراجع أو يبدّل أيّاً منها، والفارق بينه وبين العماد ميشال عون أنه لم ينبر كالأخير لخوض معارك سياسية مبالغاً في كشف تناقضاته وفي استفزاز الآخرين. والمفارقة الاخرى أن العرابين الثلاثة فضّلوا دائماً أن يأتي المرشح الرئاسي نتيجة توافق مسيحي، بل ان الأطراف المسيحيين بذهابهم الى حدّ تبني “الاقتراح الأرثوذكسي” لقانون الانتخاب أبدوا رفضاً لأي “رئيس – أمر واقع” يتبنى الأطراف المسلمون ترشيحه. وهذا ما يبدو حاصلاً حالياً. فما الذي طرأ ليغيّر قواعد اللعبة؟ ما تغيّر هو أن التوافق المسيحي بدا مستحيلاً، وأن خيار ميشال عون سقط منذ شهور طويلة ولم يتمكّن “حزب الله” من تعويمه، وأن العوائق أمام الاستحقاق الرئاسي لم تكن خارجية فحسب بل داخلية أولاً وتمثّلت تحديداً بالسلوك العوني ذاته، فبلغ الانسداد ذروته وتفاقمت مخاطر انعكاسات الأزمة السورية على لبنان، لذا كان لا بدّ من خطوة انقاذية. فهل يكمن الانقاذ في خيار فرنجية؟ ردود الفعل العابرة للطوائف على ترشيحه عبّرت عن نفسها بشفافية، فبين مخاطرة مقلقة بتكرار تجربة اميل لحود، ومجازفة مكشوفة بالاعتماد على صديق بشار الاسد، ومراهنة غير مضمونة على حياديته ازاء الانقسامات الداخلية بين الأحزاب والتيارات والطوائف وداخلها، يكون المجتمع قد أبدى موقفاً واضحاً من ترشيح فرنجية. والأكيد أن هذا الموقف ينسحب سلباً على العرابين الثلاثة، لكن أكثرهم تعرّضاً لخيبة أمل وخسائر في بيئته السياسية سيكون الحريري بلا أي شك. ولو كانت “تضحيته” تبرر خياره لهان الأمر، غير أن الهدف الانقاذي في ترشيح فرنجية ليس واضحاً لأحد.