نقاشات حادة سادت اجتماع مجلس المطارنة الموارنة
صحيفة الجمهورية/05 كانون الأول/15/علمت “الجمهوريّة” أنّ اجتماع المطارنة سادته نقاشات كثيرة وحادّة حول التسوية الرئاسيّة، حيث طالبَ عدد كبير من المطارنة خلال الاجتماع بالتروّي والتريّث في قبول التسوية القاضية بترشيح فرنجيّة أو رفضها، على رغم أهمّية هذه الفرصة لملء الشغور الرئاسي. وعلى رغم حماسة بعض المطارنة للمبادرة الرئاسيّة واعتبار أنّ التسوية أصبحت نهائية ولا يمكننا فعلُ شيء، سجّلَ عدد كبير منهم اعتراضَه معلناً أنّه مع حلّ المأزق الرئاسي، لكن يجب أن يكون ترشيح النائب فرنجيّة وانتخابه فرصة لتسوية شاملة ونقطة جمعِ للمسيحيين وللّبنانيين، ولن نقبل أن يُفرض انتخابُه فرضاً على الموارنة والمسيحيين، من هنا يجب أن يُنتخب سواءٌ النائب فرنجية أو أيّ ماروني آخر بتوافق وإجماع مسيحي، لا أن يأتي فَرضاً على الموارنة، لأنّ هذا الأمر سيُضعِفه ولن يستطيع أن يحكم إذا كان المسيحيون غيرَ راضين على انتخابه”. ومع استمرار المناقشات، أظهرَ بعض المطارنة رأياً حازماً في مداخلاتهم وقالوا: “إنّ ما يحصل أمرٌ لا يمكن القبول به، فأنتَ يا سيّدنا تطالب منذ أكثر من سنة ونصف السنة بأن يمارسَ النواب دورَهم وينزلوا إلى المجلس لانتخاب رئيس، وهم لا يلبّون نداءاتك، فهل هناك ثقة بالسياسيين الذين يتحدّثون عن تسويات؟” وشدّدت المداخلات على أنّ “فرضَ التسوية هو ضربٌ للديموقراطيّة” وتساءلت: “هل يجوز أن نقبل أن يتّفقوا على رئيس ويقولوا لنا وَقِّعوا وامشوا؟ الموضوع يتعلّق بكرامة البطريركية المارونية والمسيحيين الذين كانوا سبّاقين في نشر الديموقراطية والانتخاب، وما يجب حصوله هو أن يمارس النواب دورَهم وينتخبوا الرئيس، لا أن يتمّ تعيينه من هنا او هناك، فلا شيء انتهى، والذي يقول إن التسوية “مشِت” وعلينا أن نصفّق ونهلّل لها هو مخطئ، فللبطريركية دورُها، وهذا الكلام ليس موجّهاً ضدّ النائب فرنجية الذي هو ابنُ بيت سياسي عريق، بل هو ضدّ فرضِ التسوية على المسيحيين واللبنانيين وضرب أسُس الديموقراطية”. وعلمت “الجمهورية” أنّ البطريرك أظهرَ ليونةً خلال استماعه إلى مداخلات المطارنة، وكان مستمعاً لكلّ وجهات النظر، محاولاً تدوير الزوايا. ونتيجة ما جرى، تبدّلَت صيغة البيان وصدرَ بموقف معدّل، بعدما تمكّنَ المطارنة المعترضون من قلبِه رأساً على عقب. وتمّ الاتفاق على أن يَستكمل الراعي سلسلة الاتصالات مع القيادات المسيحية لتأمين ظروف صحّية للانتخاب، لا أن يأتي انتخاب الرئيس العتيد كسراً أو فرضاً على اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً.
السفير السوري لا الحزب على خط إقناع عون الرسائل الدولية تواكب الزخم الداخلي الضاغط
روزانا بومنصف/النهار/5 كانون الأول 2015
نشط السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي في الايام الاخيرة على خط الرابية في مسعى لايصال رسالة الى العماد ميشال عون بوجوب المحافظة على النائب سليمان فرنجيه وإحاطته. لعل “حزب الله” الذي ينقل عنه انه يدعم عون ما دام مرشحا لن يحتاج الى التدخل لديه من اجل اقناعه بدعم حليفه من ضمن الخط الواحد. ثمة حلفاء آخرون وربما دول مؤثرة يمكن ان يقوموا بالدور الذي قد يؤديه الحزب من دون ان يحرج نفسه في محاولة اقناع عون بسحب ترشحه. والجواب الذي تلقاه السفير السوري كان رد فعل غاضبا على “هدية مسمومة”، بذريعة ان الهدية هي انتصار للمحور السياسي الذي يضم كلا من عون وفرنجيه. وكانت وفاة شقيق عون مبررا اضافيا ليلتزم الصمت مرحليا، ولو ان محيطه يشي برد فعل غاضب ومستهجن. والصمت المعبر الذي لاذ به يشكل مبررا مهما لتقويم الوضع، الى أن تساهم الايام التي تحفل بتطورات متلاحقة في بلورة ما يمكن ان يكون جوابا عن مبادرة دعم ترشيح فرنجيه. الا ان التحرك السوري على هذا الخط كفيل، من حيث رمزيته على الاقل، باظهار مدى اهمية دعم فرنجيه وعدم المساهمة في إحباط انتصار محور، الى الحد الذي قد يلجم خطوات اعتراضية قوية تتخطى اطار الحصول على مطالب واثمان قد تكون محقة في هذه الحال، ومقبولة.
في المقابل، تحدثت معلومات عن ان اللقاء الذي جمع السفير السعودي علي عواض عسيري مع رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل لم يتسم بالهدوء ولم يخل من العتب ازاء تسوية تجاهلت استشارة او مشاركة للافرقاء المسيحيين. لكن التمايز بين موقفين خلال يومين متتاليين للسفير السعودي، ترك مجالا واسعا للتكهن في شأن تأكيد معلومات عن سعي الى اقناع الكتائب بدعم ترشيح فرنجيه. وهو امر ترك صدى محبطا في معراب وفق ما تحدثت بعض المعلومات، انطلاقا من ان قراءة التمايز في موقف السفير السعودي تركت المجال لقراءات مختلفة تبعا لمواقع الافرقاء واتجاهاتهم.
ويشي تحرك السفير السوري كما تحرك السفير السعودي، ولو من موقعين متناقضين انما في اتجاه الدفع نحو هدف واحد، بمؤشرات اقليمية تلاقي الزخم الداخلي. وقد لاقى موقف كل منهما تطورين بارزين: احدهما يتمثل بالموقف الذي اعلنه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي من المطار ثم لدى استقباله فرنجيه، والذي يمنح الغطاء لمبادرة يعتبرها لبنانية وليست في يد المسيحيين وحدهم، مما ينزع من ايدي المتحفظين ورقة الاعتراض على تسوية طبخت في اروقة الزعماء المسلمين، اي الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط، ويبعد بكركي عن اي احتمال لتأمين الغطاء لموقف اعتراضي قد يلتقي عليه الافرقاء المسيحيون، علما ان البحث الذي حصل في الايام الاخيرة في الاتصالات المكثفة لم يوح أن ثمة اتفاقا محتملا على بديل من فرنجيه يمكن ان يطرحه الافرقاء المسيحيون المعترضون. ويتمثل التطور الآخر في الاتصال الذي أجراه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بالمرشح فرنجيه بعد لقاء مع القطب الاخر من معادلة التسوية، أي الرئيس الحريري. والاتصال الهاتفي من الرئيس الفرنسي يعدّ خطوة متقدمة على خط الدفع قدماً بالتسوية ورعايتها الخارجية من اجل طمأنة الاخرين والضغط عليهم في الوقت نفسه، تعبيرا عن استكمال فرنسي او اوروبي لما جرى التمهيد لطبخه منذ ستة اشهر على الاقل، حين بادر السفير البريطاني طوم فلتشر قبل مغادرته لبنان نهائيا في منتصف آب الماضي الى رصد امكان ايصال فرنجيه بناء على اعتبارين: احدهما نجاح الديبلوماسية البريطانية في بيروت في خرق الجمود الذي احاط بتأليف حكومة الرئيس تمام سلام لما يقارب التسعة اشهر، والنجاح في ولادتها مع جهد بذله سفراء آخرون ايضا. وهو تمهيد استكمله السفير الاميركي ديفيد هيل باتصالات مع القوى الداخلية والاقليمية تفيد معلومات ان احد الزعماء المسيحيين لم يكن بعيدا من معرفتها، وكانت تمهد في البداية لاحتمال ترشيح فرنجيه. والاعتبار الاخر هو الانطلاق من اقتناع بأن “حزب الله” سيبقى معرقلا انتخابات الرئاسة، مختبئا وراء دعم ترشيح العماد عون الذي تبين ان لا فرصة له للوصول ما لم يتمكن من ايصال رئيس يطمئنه في ظل تحديات كثيرة يخشاها. والاتصال من جانب هولاند وحده كفيل بتوجيه رسالة الى وجود غطاء خارجي للمبادرة تحت سقف عنوان مهم وخطير هو ملء الشغور الرئاسي في الموقع المسيحي الاول في البلاد، بحيث قد يصعب على المتحفظين من الافرقاء المسيحيين الذهاب بعيدا في اعتراضهم او حملهم على التفكير جديا في ذلك، لا بل أيضا تشجيعهم على تبنيها، انطلاقا من ان فرنسا كانت من حيث المبدأ عامل طمأنة للمسيحيين في لبنان.
يبرز الزخم في اتجاه تعزيز احتمال وصول فرنجيه الى موقع الرئاسة الاولى، أقله بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين، عجز القوى المسيحية عن الاتفاق على بديل او خيار آخر غير فرنجيه، وعجز هذه القوى عن مطالب واحدة في شأن اشتراط الوصول الى قانون انتخاب. وثمة غضب لدى الرأي العام الداعم للزعماء المسييحين من سوء ادارة هؤلاء الزعماء ملف الرئاسة، ولا يعفونهم من المسؤولية الاولى والاساسية عما بلغه الوضع.