بقايا يسار الوصاية السورية تسطو على الحراك
علي الحسيني/المستقبل/22 أيلول/15
تحوّل الحراك في الشارع من حركة مطلبية أساسية تعبر عن تفاصيل مهمة من حياة الشعب اللبناني، إلى حركة إستغلالية تقوم على شعارات فضفاضة أكل الدهر عليها وشرب ولم تجر على البلد في الأصل سوى الخراب والويلات، تتخذ من المطالب الشعبية واجهة للإطلالة من خلفها بعدما نبذها الزمن ورماها خلفه مع خروج آخر عسكري يتبع لامرة نظام الوصاية السورية من لبنان. بقايا يسار الوصاية السورية وعلى رأسهم مَن تبقى من الحزب «الشيوعي»، قرروا استغلال المطالب الشعبية والسطو على التحركات في الشارع لصالح اجندات معروفة ما زالت ترى في لبنان بلدا غير قابل للحياة ولا للتطوير وتريد له ان يبقى تابعاً لا مستقلا والعودة به الى زمن التقاتل والتناحر وتقسيمه الى مناطق على احجامها. وجد «يسار« الوصاية السورية في تحركات الناس العفوية منفذاً جديداً للعودة إلى الظهور في شارع سبق ان لفظهم اكثر من مرّة، رافعين شعارات خارجة عن المألوف العام ومستبدلين الدعوات الى حل ازمة النفايات بمطالب اخرى تدعو الى اسقاط النظام وحل مجلسي الوزراء والنواب، مطلقين العنان لأغان ثورية ذكّرت اللبنانيين بزمن الخيبة والويلات التي لحقت بهم من جراء هذه الممارسات إضافة إلى الدعوات الى الانقلاب على الدولة واسقاطها من خلال احتلال المؤسسات العامة من دون تحديد البديل وكأن الفراغ وأخذ البلد إلى المجهول هو هدفهم المنشود. لم ينفك هذا «اليسار« عن تحويل وسط بيروت بشكل يومي إلى ساحة دامية وساحة صراع وحرب بين اللبنانيين وبين المتظاهرين أنفسهم، وذلك من خلال توجهات تقودها غرف سوداء وكأنهم في حالة بحث مستمرة عن قضية مطلبية ما، يستغلونها ليعبروا من خلالها على أوجاع الناس وفوق جراحهم وأوجاعهم لتحقيق مكتسبات خاصة. وهنا يُعبّر أحد رموز الحزب الشيوعي السابقين عن حالات التسلل بين صفوف المتظاهرين التي تقوم بها جماعة امين عام الحزب الشيوعي خالد حدادة على حد وصفه لهم، بالقول «هؤلاء يريدون ضرب الحراك بشتّى الطرق ويستغلون قضايا الناس ومطالبهم للظهور مجددا في الشارع وللقول بأنهم ما يزالون يتمتعون بحيثيات ومكانة بين الناس». ويتابع: نحن كنا نشارك في جزء من تحركات في الشارع، لكن تحت مطلب الدعوة الى اجراء انتخابات نيابية وهو امر يجتمع عليه كل الشعب اللبناني، ولكن جماعة يسار الوصاية السورية سرقوا مطالب الناس واعتدوا على شعارات مطلبية محقة لصالح شعارات زائفة تحمل نفس النظام السوري. ومن ذهب منذ فترة الى سوريا تحت جنح الظلام للقاء الاسد وعاد بمشروع جديد عنوانه «المقاومة» عند الحدود اللبنانية السورية وقام باخراج مقاطع مصورة تظهر عناصره المسلحة في الجرود لحماية نظام بشار، لا يحق له النزول إلى وسط العاصمة والمطالبة بإسقاط النظام اللبناني ونسفه». من مساوئ استغلال الحراك، ظهور وجوه على الساحات مجدداً بعدما كانت الناس قد نسيتها وكانت تنشط في مجال اعداد التقارير الامنية لصالح المخابرات السورية في زمن الوصاية. رموز ذكرت بزمن الفوضى وتفلّت السلاح وبزمن الإنقلابات. خالد حدادة، شربل نحاس وزاهر الخطيب ونجاح واكيم وغيرهم من الذين سبقهم تاريخهم إلى الساحة. أسماء لمعت في زمن الحرب وهم من امرائها، عادت اليوم لتنكأ الجراح وتقلب مواجع الناس خصوصا وأن جزءاً من الذين نزلوا الى الشارع لهم مع كل شخص من هؤلاء حكاية تذكر بقتل شقيق وخطف اخ وإعدام جار.
الشيوعي السابق نفسه يُنهي كلامه حول من اسماهم بـ»اليسار المتسلّق» او «يسار حدادة»: «ثمة صاعدون على اكتاف اليسار القديم أوقعوا انفسهم في فخ المزايدات، فعلقوا بين مطالب التغيير على الطريقة الديموقراطية وبين براثن سياسيين هم في الأصل تملّقوا مواقفهم حتى صعدوا مواقعهم حتى ضاعت مطالبهم بين دعوات التحريض ومشاهد الدماء التي سالت على الأرض وعلى أسرّة المستشفيات، والأمرّ من هذا كله أنهم شاهدوا وسمعوا بالصوت والصورة هتافات مذهبت الحراك وجيّرته وكأنهم يُعطون من خلال الشعارات التي يُطلقونها كلمة السر للنظام السوري للعودة الى لبنان من النافذة بعدما لفظناهم من الباب العريض». عبثاً يحاول يسار الوصاية السورية ركوب موجة التحضر، فهو يُصرّ على التبعية. يبحث عن تغرة ينفذ عبرها الى الواجهة لكنه سرعان ما يكتشف بأن الصفوف الخلفية تليق به أكثر.
النظام اللبناني متجذّر ولا خوف عليه
غسان حجار/النهار/22 أيلول 2015
كتبت الأسبوع الماضي عن الأسباب المجتمعة التي تحاصر الحراك المدني وتساهم تدريجاً في إضعافه وصولاً الى القضاء عليه. ليس الهدف الانتقاص من قيمة الحراك الذي ما زلت أؤيده، وأثمن حيوية المشاركين فيه وإن تعددت أهدافهم ومشاربهم، فأنا أنظر الى الجانب الإيجابي فيه وهو تحريك المياه الراكدة في المستنقع اللبناني، ورفع الصوت ضدّ منظومة الفساد التي استفحلت وتضاعفت وازدادت وقاحة مرتكبيها. فإعلان رفض واقع إغراقنا في النفايات جاء نتيجة إهمال البعض وتواطؤ البعض الآخر في صفقات مشبوهة يتشارك فيها أكثر من طرف، ولا يجرؤ أي طرف، ولو ادعى العفة، على فضح الآخرين، في ما يشبه الاتفاق على تقاسم السلطة والكراسي والمغانم… هذا الحراك، وإن وقع في أخطاء، مقصودة وغير مقصودة، أو ركب موجته البعض ممّن طواهم الزمن، يبقى دليلاً الى أن “شعب الفينيق” لا يستسلم ولا يرضخ لواقع مرّ ولو استمر دهراً. لكن الحقيقة ان الحراك الذي يجمع عشرات الآلاف، وأكثر بكثير من الذين ينزلون الى الشارع، لا يبلغ عددياً ما يوازي الموالين لهذا النظام والمتمسكين به. فالنظام، الذي نشتمه ويدعو البعض عبثاً الى إسقاطه، يحرص كثيرون عليه، ويخافون تغييره. هذا النظام يوافق الأحزاب السياسية في معظمها لأنها تتقاسم الحصص فيه، وفي المواقع النيابية والوزارية والوظائف العامة، ولولا هذه المكاسب لهجرها مناصروها وأكثرهم لا مبدأ لهم سوى انتماء غريزي مذهبي طائفي أو مصلحي. ويوافق النظام معظم الزعماء والمسؤولين لأن النظام الانتخابي الطائفي يساعدهم في التربع على مقاعدهم ويوفر لهم توريث أبنائهم من بعدهم. وبقاؤهم في السلطة يضمن لهم ولعائلاتهم سلسلة من الامتيازات والخدمات، ويفتح لنسائهم الصناديق لتنظيم المؤتمرات والاعمال “الخيرية”. والنظام اللبناني يوافق الطوائف والمذاهب، وأربابها الأقوياء الى حد كبير، لأنهم يؤثرون في مجمل الحياة العامة، وهم يفيدون من ترك الدولة أمور العباد لهم يتحكمون بها إنسانياً ومالياً، كما يتمتّعون بامتيازات مالية واجتماعية تفوق ما هو لأي مواطن آخر. والنظام الحالي بفساده ورشاواه يفيد كبار التجار والصناعيين وأصحاب المصارف لأنه يساعدهم في التهرّب من الضرائب والرسوم، ويوزع عليهم أرباح سندات الخزينة والمناقصات وغيرها في شبكة مقفلة يصعب اختراقها. والنظام عينه يفيد أمنيين كباراً، فيحفظ رؤوسهم ويضمن ترقياتهم ويمنع محاسبتهم على أخطاء يرتكبونها عمداً بتوزيع ولاءاتهم على السياسيين. والنظام إياه يفيد موظفي الدولة إذ يمنع صرف أي واحد منهم مهما ارتكب من أخطاء، ويحول دون معاقبة أحد محمي من زعيم أو طائفة. من يكون إذن ضد النظام الحالي؟ علمانيون ومواطنون عاديون لا حول لهم ولا قوة، كلما تحركوا تألبت عليهم كل فئات المتضررين منهم، والمنتفعين من النظام، والخائفين من كل تغيير، لقمعهم، وغالباً ما تنجح حركتهم.