التحالف الإسلامي والفراغ الأميركي
زهير قصيباتي/الحياة/17 كانون الأول/15
أبعد بكثير من مفاجأة «عاصفة الحزم» في اليمن، جاء إعلان المملكة العربية السعودية التحالف العسكري الإسلامي لمواجهة التطرف والإرهاب الذي يضرب في كل أنحاء العالم. وشكّل تشديد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على أن التحالف ليس سنّياً ولا شيعيّاً، أبلغ ردّ على الدعوات الأميركية المتكرّرة إلى «الدول السنّية» لممارسة دور «أكثر فاعلية» في الحرب على الإرهاب. لم يجانب الصواب بالطبع، التفسير الذي يربط هذا الإلحاح الأميركي بتردُّد واشنطن في المنطقة، والعجز عن مواجهة حقائق، من نوع فشلها في دفع الحكم الحليف في بغداد، إلى إيجاد البيئة المناسبة والمتماسكة، لتحرير الموصل من قبضة تنظيم «داعش». تُدرك دول الخليج والسعودية خصوصاً، أن خطورة الأوضاع في المنطقة، منذ اجتاح «داعش» أجزاء واسعة من الأراضي السورية والعراقية، تضعها أمام خيارين: إما التسليم بهذا الواقع الذي سيؤدي إلى تفشّي سرطان الإرهاب، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، وإما المبادرة إلى صيغ مواجهة، تكفل صمود الخليج أمام عواصف ما بعد الربيع العربي. ويُدرك أهل الخليج أن رهان إيران حليفة الحوثيين التي زوّدتهم المال والسلاح، كان ولا يزال على توريط «عاصفة الحزم» بمستنقع حرب طويلة في اليمن، وبتداعياتها لإحراج التحالف العربي الذي تقوده السعودية لدعم الشرعية اليمنية، واستعادة مؤسسات الدولة التي خطفها الحوثيون عنوة، حين استقووا بطهران، وهي حرّضتهم بوصفهم «مظلومين». ولأن التحالف العربي نجح في إرغامهم على التفاوض، لإتاحة فرصة لوقف الحرب، لن يكون مستبعداً أن يعرقل المفاوضات مجدداً اللغم الإيراني الكبير، المتمثل في عناد طهران، وإصرارها على اختراق القرار السياسي العربي. ولعل التلميح السعودي إلى احتمال درس إرسال قوة خليجية خاصة إلى سورية، رسالة موجّهة إلى كل من طهران وموسكو وواشنطن. بداهةً، حسابات التحالف العسكري الإسلامي، تتعدى الأخطار الإقليمية إلى متغيرات دولية متسارعة، لا أحد يمكنه الجزم بمَنْ يُمسِك بدفّتها. وإذا كان السؤال الأول يتناول غياب إيران عن قائمة الدول المنضوية في هذا التحالف، ربما بسبب «خصوصية» تعريفها للإرهاب والمنظمات الإرهابية، وإصرارها على التدخُّل في دول عربية إسلامية (البحرين، العراق، سورية…)، فالأرجح أن تواجه المنطقة «الأصابع الخفيّة» التي ستُسجّل استياءها وانزعاجها من التحالف الإسلامي، بأساليب معهودة.
وبصرف النظر عن صواب الربط بين حادث خطف 26 قطرياً في العراق، وأطراف مستائين من مفاجأة التحالف العسكري الإسلامي، لكنهم عاجزون عن إعلان موقفهم… يأتي هذا التحالف بعدما خبِرت المنطقة طويلاً خواء السياسة الخارجية لإدارة باراك أوباما التي تكتفي بضربات جوية لمواقع «داعش»، يصعب تحديد مدى فعاليتها في انتزاع أسنان هذا التنظيم، فيما هو يتمدّد. ومع كل ذلك، تُكرِّر الإدارة مطالباتها دول المنطقة بتحرُّكٍ «أكثر» نشاطاً في مواجهة «داعش». الجميع يذكر العبارة التي تردّدت مئات بل ألوف المرات على ألسنة الأوروبيين بعد مجزرة باريس، وكلها يفترض أن كل ما يفعله المسلمون للتنديد بالإرهاب ومواجهته ليس كافياً. والمدهش أن هؤلاء قد يكررون العبارة ذاتها، بعد مفاجأة ولادة التحالف العسكري الإسلامي، أو يدّعون أنهم لا يعرفون أهدافه أو لم يفهموها.
ما يعني العرب والمسلمين أن هذا التحالف سيواجه أي تنظيم إرهابي، فيما دوله أو كثير منها يُدرك تماماً أن عشرات الفصائل والتنظيمات تديرها دول راعية للإرهاب، تتهم سواها به. ولا حاجة ربما للتذكير بكيفية نشوء البيئة الحاضنة لهذا السرطان، بعد كارثة الغزو الأميركي للعراق والذي استند إلى أكاذيب. والغرابة أن الإرهاب الذي ترعرع هناك مع «فرق الموت» وسواها، أبى أن يمسّ النفوذ الإيراني. «داعش» و «القاعدة» وأخواتهما، وفروعهما المسجّل بعضها وراء ستار أنظمة، لإلصاق صفة «السنّي» بالإرهاب، كانت وما زالت في حالات عديدة، حاجة لدى بعضهم لاختراع عدو. في حالة «داعش» هذه المرة، تجاوز الخطر مصالح العرب والمسلمين، لذلك تستعد إيطاليا لإرسال 450 عسكرياً لحماية عمالٍ ينفّذون صفقة لتدعيم سد الموصل، ومنع انهياره. هو نموذج لما قد تؤول إليه خرائط ممزّقة، تحت وطأة الإرهاب. لا يفهم الأميركيون بعد، أهداف التحالف العسكري الإسلامي… وقد تفاجئهم زيارة قاسم سليماني موسكو قبل أيام، حين عقد لقاء «قمة» مع الرئيس فلاديمير بوتين، لدرس مصير سورية والعراق واليمن ولبنان، في ظل التمدُّد العسكري الروسي.
أوباما يسلم بشروط بوتين للتسوية في سورية
حسان حيدر/الحياة/17 كانون الأول/15
موافقة روسيا على المشاركة في الاجتماع الذي دعت الولايات المتحدة إلى عقده غداً الجمعة في نيويورك تمهيداً لإصدار قرار من مجلس الأمن في شأن التسوية في سورية لم تكن مجانية. فوزير الخارجية الأميركي جون كيري سلم عملياً رأس المعارضة السورية إلى فلاديمير بوتين، وخضع لسلسلة شروط وضعتها موسكو ليس أقلها القفز العلني على مقررات اجتماع الرياض. قال كيري بعد اللقاء مع بوتين في الكرملين إن واشنطن وموسكو حققتا تقدماً في وضع خلافاتهما جانباً، مؤكداً أن «الولايات المتحدة وحلفاءها لا يسعون إلى ما يسمى تغيير النظام» السوري. وأضاف أن التركيز الآن «ليس على خلافاتنا في شأن ما يمكننا أو ما لا يمكننا فعله على الفور بخصوص بشار الأسد»، بل على تسهيل عملية السلام التي «يقرر السوريون خلالها مستقبل سورية»، في تبنّ للشعار الذي يردده الروس في كل مناسبة. لم يكن أحد يشك أصلاً في أن الأميركيين تراجعوا قبل بداية التدخل العسكري الروسي عن مطالبتهم برحيل الأسد، بل هم أجبروا حلفاءهم الأوروبيين على تبني موقف «مرن» من حاكم دمشق، ثم دفعوا المعارضة إلى التوقف عن المطالبة بتنحيه الفوري، فاكتفت بالمطالبة برحيله فور بدء المرحلة الانتقالية بعد ستة أشهر من المفاوضات. الآن لم يعد حتى هذا وارداً بالنسبة إلى واشنطن. المهم أن تتخلص الإدارة الديموقراطية من ورطتها التي جعلتها عرضة لهجمات عنيفة من المرشحين الجمهوريين المحتملين إلى الرئاسة الأميركية وخفضت ثقة المواطنين في فاعلية خطتها لمواجهة «داعش»، والمهم أن يسهم الروس في التسوية، أي تسوية، لكي يتمكن أوباما من الوفاء بوعوده للأميركيين بأنه قادر على إيجاد حلول للأزمات الدولية من دون تدخل مباشر أو توريط جيشهم في حرب جديدة. فالأميركيون بحسب استطلاعات الرأي ليسوا معنيين بإيجاد حلول للأزمة السورية المستمرة منذ نحو خمس سنوات، بحد ذاتها، بغض النظر عن أكلافها الهائلة على كل صعيد، بل هم خائفون من وقوع اعتداءات إرهابية على أراضيهم بسببها، ولذلك اتخذ معظمهم موقفاً سلبياً من استقبال اللاجئين السوريين خشية أن يكون بينهم «إرهابيون مندسون». وفي مؤتمره الصحافي في موسكو، اعتبر كيري مطلب المعارضة التي اجتمعت في الرياض في شأن ضرورة رحيل الأسد فور بدء المرحلة الانتقالية التي تلي المفاوضات بين الطرفين بأنه «موقف غير مرتبط (بالمفاوضات) بالتأكيد».
والشرط الروسي الآخر الذي استجاب له الأميركيون كان مطالبة موسكو بإعادة النظر في تصنيف المنظمات السورية المعارضة بعدما اعتبرت أن بعض المشاركين في مؤتمر الرياض «إرهابيون». ويبدو أن واشنطن طلبت من الأردن التريث في وضع قائمة بالمنظمات الإرهابية في سورية بانتظار نتائج مفاوضات كيري. وقد يعني هذا أن البحث انتقل الآن إلى تحديد أطراف المعارضة الذين يمكن أن يشاركوا في المفاوضات بناء للمعايير الروسية، وفي ذلك استبعاد فوري لبعض أهم الفصائل المقاتلة على الأرض يفتح الباب أمام احتمال شق صفوف المعارضة أو حتى حصول قتال بين أطرافها. وأكثر من ذلك، يريد الروس فرض حزب «الاتحاد الديموقراطي» الكردي الموالي للأسد والمعادي لتركيا، والذي لم يدع إلى اجتماع الرياض، ليكون طرفاً في وفد التفاوض مع النظام. وهو حزب تدعمه واشنطن أيضاً وتقدم له المال والسلاح والحماية الجوية. خلاصة كل هذا، أن الأميركيين نصبوا أنفسهم بديلا من المعارضة عوض أن يكون دورهم دعمها وإسناد خياراتها، وقبلوا بأن يكون الروس حماة الأسد والمفاوضين باسمه، وهم على استعداد لتقديم كل التنازلات الممكنة لنفض أيديهم من الأزمة السورية، ودوماً بذريعة «محاربة الإرهاب».