2015.. عام التغيير الديموغرافي في دمشق وريفها
معاوية حمود /المدن/ السبت 02/01/2016
لم تهدأ وتيرة المعارك، خلال العام 2015، على جبهات ريف دمشق؛ الغربية والشمالية والجنوبية. الحرب كانت إستنزافاً للمعارضة والنظام. ولم يستطع النظام إسترجاع أي منطقة عسكرياً، أو السيطرة على أي مدينة مركزية مهمة، أو نقاط استراتيجية، على الرغم من التدخل الروسي المباشر، بعد التدخل الإيراني وميليشياته الشيعيّة. وانقضى العام 2015، بعقد إتفاقات، من شأنها تغيير البنية الديموغرافية لدمشق وريفها القريب. وتم تنفيذ الخطوة الأكثر صعوبة وخطورة في مدينة الزبداني الإستراتيجية على طريق دمشق-بيروت، والتي غادرها جرحى ومدنيون برعاية “الصليب الأحمر” و”الأمم المتحدة”، باتجاه ريف إدلب.
الاتفاق الذي عقد في أيلول/سبتمبر، وبدأ تنفيذه في كانون الأول/ديسمبر، يقضي بإخلاء الزبداني من مقاتليها، والمدافعين عنها، وإخراجهم إلى إدلب، بعد حصار مميت وخانق استمر لعامين. الأمر الذي يستقيم مع رغبة النظام ومليشيا “حزب الله” اللبناني، في خلق بيئة غير سنيّة على طرفي الحدود السورية-اللبنانية، ما يسهل الهيمنة الإيرانية على المنطقة، ويخلق مستوطنات شيعية قد تمد “سوريا المفيدة” التي يريدها النظام بالحياة. وقبل نهاية العام 2015، أنهت قوات النظام إتفاق هدنة استمر لعامين مع مدينة معضمية الشام، وعاودت قصفها بجميع أنواع الأسلحة، بما في ذلك الغازات السامة، في محاولة لاقتحام المدينة. ما يؤكد أن بعض الهدن لم يكن سوى خطط عسكرية اضطر لها النظام مع الخسائر الكبيرة لقواته في المعارك، نتيجة لفتح مئات جبهات القتال في سوريا.
كما يتم الحديث عن إتفاق آخر، أنجز في كانون الأول/ديسمبر، في أحياء دمشق الجنوبية، بعدما أُعلن عن صفقة لإخراج مقاتلي تنظيم “الدولة الإسلامية” من القدم ومخيم اليرموك، وتأمين وصولهم إلى مدينة الرقة، برعاية النظام وعبر مناطق خاضعة لسيطرته.
وفي تشرين الأول/نوفمبر، بدأت قوات النظام تنفيذ حصار على منطقة الهامة في الضواحي الشمالية لمدينة دمشق بالقرب من قدسيا. ونفذ الطحين من المدينة ومُنع دخول المحروقات ومستلزمات الحياة الضرورية، إلى المدينة التي يسكنها قرابة 35 ألف نسمة. ما حمل أهل الهامة على النزوح عنها، على الرغم من عدم وجود معارضة مسلحة فيها، ولا حتى حراك سلمي ضد النظام، بعدما اعتقل نشطاء المنطقة أو غادروا البلاد، مطلع العام 2012. في أيلول/سبتمبر قامت قوات النظام بإغلاق الطرق بين ضاحية الأسد ودمشق، بالقرب من مدينة حرستا. والضاحية التي تسكنها عائلات الضباط ومتطوعي “الدفاع الوطني”، تعتبر من أكبر تجمعات العلويين بالقرب من دمشق، مُنع المدنيون فيها من المغادرة بإتجاه العاصمة رغم إقتراب المعارك منهم، وإستهداف الضاحية بالقذائف الصاروخية من قبل قوات المعارضة السورية. المعارضة حاولت بقصفها للضاحية، إجبار النظام على وقف قصفه بلدات الغوطة الشرقية، ولم يستجب النظام لذلك، رغم الخسائر بين أهالي مقاتليه. وأثار ذلك تساؤلات، عن نوعية الحواضن الشعبية التي يكترث النظام لسلامتها، في ظل عقد إتفاقات ناجحة بوقف القصف المتبادل، شملت أحياءً يقطنها الشيعة، كما في السيدة زينب جنوبي دمشق.
وفي مطلع أيلول/سبتمبر، حصل إتفاق يقضي بإخراج مقاتلين من مدينة قدسيا شمال شرقي دمشق، إلى ريف إدلب، بعد حصار وتجويع قوات النظام للمدينة.
وفي أيلول/سبتمبر، بدأ النظام تنفيذ خطة لإخلاء السكان الأصليين الدمشقيين من منطقة بساتين المزة، وأجبارهم على هجر منازلهم، بحجة إعادة إعمار المنطقة حسب مخطط تنظيمي جديد. النظام أقدم على تلك الخطوة، خوفاً من العلاقة الوطيدة بين بساتين المزة في دمشق وغوطتها الغربية، ما قد يشكل حاضنة لأي قوة عسكرية للمعارضة قد تصل إلى المنطقة. النظام منح كل عائلة من المهجرين قسرياً من بساتين المزة، تعويضاً مالياً عن منازلهم، قدره 15 ألف ليرة سورية (50 دولار)، أي ما يعادل ثمن عشر ربطات خبز في الضواحي المحاصرة، التي لجأ إليها المهجّرون من البساتين.
في حزيران/يونيو قطعت المعارضة المسلحة بالقرب من منطقة عين الفيجة، في وادي بردى، المياه عن مدينة دمشق، لوقف إستخدام النظام البراميل ضد المدنيين في مناطقهم. الريف الغربي لدمشق، لم يشهد تحولاً عسكرياً مهماً، إبتداءً من جبل الشيخ على الحدود السورية-الإسرائيلة، وصولاً إلى مدينة معضمية الشام وداريا. وبقيت معارك الكرّ والفرّ على الجبهات، وتدمر ما تبقى من البنى التحتية من خلال تكثيف إستخدام قوات النظام للبراميل المتفجرة والصواريخ ذات الأثر التدميري الكبير.
ونالت داريا الحصة الأكبر من التدمير، عقاباً لها، بعد نجاح قوات المعارضة في إسترجاع القسم الشرقي للمدينة، في “عملية لهيب داريا” في آب/أغسطس. وفي ريف دمشق الشمالي الغربي، عاشت القلمون على جميع جبهاتها، معارك متعددة الأطراف والأهداف بين قوات المعارضة السورية و”الدولة الإسلامية” و”حزب الله” والنظام. ولم يخلُ يوم من تحليق الطيران الإسرائيلي، وإستهدافه لمناطق في القلمون؛ وأبرز الهجمات كانت في آب/أغسطس، على “الفوج 137″ و”اللواء 68″، إضافة إلى تدمير مواقع في مطار دمشق الدولي، في تشرين الثاني/نوفمبر، وصولاً إلى إستهداف القيادي في “حزب الله” سمير القنطار، في جرمانا في كانون الأول/ديسمبر. واستمر حصار قوات النظام لمدينة التل -أهم مدن القلمون، وهي تستضيف أكثر من مليون ونصف نازح سوري- وإعتمدها النظام كورقة تفاوض مع المعارضة، عبر تهديد أمن وسلامة النازحين إليها بشكل دائم، وحصارهم وتجويعهم.
أكبر عملية هجرة، كانت تلك التي شهدتها العاصمة دمشق، حيث هرب معظم أبنائها الذكور من شبح التجنيد الإلزامي، وزجّ النظام بهم في جبهات قتال خاسرة. وسببت حملة الإعتقالات الشرسة في الأشهر الأخيرة من العام 2015، في خلو جامعة دمشق من طلابها الذكور، ووصف العاصمة السورية بـ”مدينة بلا شباب”.