رحل عام 2015 من غير أسف فهل يحمل 2016 الأمل
منى فياض/العرب/ 06 كانون الثاني/16
فيما تحتفل معظم أنحاء المعمورة برأس السنة في أجواء عيد مبهجة، تودع منطقتنا عاما داميا لتستقبل عامها الجديد دون توقعات تذكر. حصيلة العنف في العام الماضي كانت الأكثر ارتفاعا. من أعداد القتلى المتراكمة الناتجة عن الحروب والمعارك إلى الهجمات الإرهابية، إضافة إلى بروز العنف الداعشي المنتشر مثل وباء على امتداد المنطقة من ليبيا إلى تونس، مرورا بسيناء، حتى مختلف دول المشرق. إضافة إلى ذلك الذي صدرته إلى بعض الدول الغربية. لكن أسوأ ما في عام 2015 أنه عام اللجوء العربي بامتياز وخصوصا السوري منه. تشير التقديرات إلى أن هجرة العرب من أوطانهم بلغت 22 مليون إنسان. معظمهم من سوريا التي غادرها ربع سكانها إلى الخارج، ونصف الباقين نازحون عن مناطقهم. لكن مشكلة سوريا الإنسانية لا تقف عند هذا الحد، فعدا عن الفرصة التي توفرها الحروب للمافيات للمتاجرة بتهريب السلاح والمواد الاستهلاكية بأنواعها، وفّرت حرب سوريا مصدر ارتزاق من نوع آخر يطال البشر وأجسادهم، لجهة الاستغلال الجنسي المعتاد، إضافة إلى الاتجار، سواء لتمويل المنظمات المتحاربة أو ليحفظ المواطن السوري حياته. المؤسف إغفال التقارير التي تشير إلى تجارة الأعضاء المزدهرة حيث أن البعض يجبر على بيع عضو من أعضائه لإعالة أسرته أو لتدبير أمر هروبه إلى أوروبا، لكن الأكثر إدانة منها تلك التي تتعلق بالاتجار بالأطفال وبأعضائهم. يبدو أن وزارة الصحة السورية سحبت رخص خمسة أطباء لأنهم يعملون في تجارة الأطفال وبيع أعضائهم. قدرت وزارة الصحة السورية أن 18 ألف شخص تم أخذ أعضاء منهم على مدى سنوات الحرب. واتهم، عدا الأطباء، عدد من عسكريي الجيش السوري بتلك التجارة. المؤسف أن الاهتمام بمثل هذه المواضيع لا يستمر لأكثر من زمن قراءة التقارير.
ما طبع العام الماضي أيضا إرهاب داعش الذي لم نسمع عنه قبل منتصف صيف 2014، ففي اليوم السابع من مطلع العام 2015 نفذ أول مشهدياته الضخمة في الهجوم الصاعق على صحيفة شارلي إيبدو باقتحام ملثمين اثنين مقر الصحيفة الساخرة في باريس. وأدى هذا الهجوم إلى مقتل 12 شخصا وإصابة 11 آخرين. ومن ثم أعاد الكرة في شهر فبراير بممارسة عنف انتقامي وحشي يعود إلى ممارسات العصور الغابرة بإحراقه الطيار الأردني معاذ الكساسبة حيا في سوريا. وأردفه بعد 5 أيام بقطع رؤوس 21 قبطيا مصرياً في ليبيا. وفي أبريل أعدم العشرات من الإثيوبيين في ليبيا أيضاً.
لكنه اختتم العام بتنفيذ هجومه الصاعق الثاني في باريس في عملية اعتبرت الأكثر دموية في فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، والأكثر دموية في الاتحاد الأوروبي منذ تفجيرات قطارات مدريد عام 2004. ففي 13 نوفمبر حصلت سلسلة هجمات منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعي وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن موقعة 130 قتيلا و368 جريحاً. ما أشعر الجميع بأن “هذا لا يحصل فقط للآخرين”، وأن الغرب لم يعد بمنأى عن الإرهاب، فحصل الاستنفار العالمي غير المسبوق الذي ما زلنا ننتظر نتائجه. أهم ما يطبع ممارسات تنظيم داعش، انعدام الأخلاق. إذ يزعم المنتمون إليه القتال باسم الله، بينما هم عبيد المال. داعش تنظيم إجرامي بالدرجة الأولى مرتزقته عبيد المال تحت ستار الدين. همهم تدبير مصادر تمويل تتسم باللاشرعية. فبالإضافة إلى سلب النفط، فهم يرتزقون من سرقة الآثار، ومن أعمال الخطف للحصول على الفدية، والابتزاز وجباية الضرائب من السكان، ومن السطو على البنوك والاتجار بالعبيد وخصوصاً النساء عدا اغتصابهن، إضافة إلى الاتجار بالأعضاء البشرية. ومن السخرية الظن أن كل هذا ما دفع إلى تكوين التحالف الدولي لمحاربتهم، فأضخم أسلحة الجو في العالم جرّت إلى سوريا والعراق بدوافع واهية ونتائج معدومة.
هناك تضخيم لداعش وأعماله، ففي سوريا نجد مقابل العشرات الذين يقضي عليهم داعش في هجوماته بتطبيل وتزمير، يقضي النظام السوري بضربة واحدة على المئات بصمت. مع ذلك يظل “الخطر الأكبر” في سوريا داعش وليس النظام. عدد ضحايا داعش لم يكن ضخما بالأرقام. الزوبعة التي تثيرها تتأتى من ترويج الإعلام لجرائم قتل مبتكرة مصدرها ممارسات العصور الغابرة، مع آخر مبتكرات هوليود العنيفة إضافة إلى تقليد بعض الجرائم المرضية. وهذا من أجل التسويق والدعاية، بمشاركة الجميع، للتخويف. هجمات فرنسا وتلك التي نفذت خارج العالم العربي هي التي أخافت الغرب من وصول الإرهاب إلى عقر دارهم، بالإضافة إلى اللاجئين والتخوف من اهتزاز تجارة النفط العالمي في أعقاب سيطرة الإرهابيين على مصادر الإنتاج. لكن العام، الذي حصّل فيه باراك أوباما جوهرة دبلوماسيته “السلمية” بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، تاركا لها الحبل على الغارب لتنفيذ هيمنتها التخريبية في العالم العربي خوفاً من إفشاله، لم ينته قبل أن يحمل المزيد من مؤشرات التوتر والتدهور مع التدخل العسكري الروسي الوحشي في سوريا. ما خفف التوقعات من عاصفة الحزم التي استهلت سياسة جديدة للنظام السعودي والنظام العربي ولو بخجل.
أما القضية الفلسطينية التي تزداد تفاعلا في الخارج مع رفع علم فلسطين في الأمم المتحدة مؤخراً، وبدايات الاعتراف بدولة فلسطين من قبل الفاتيكان (دخل حيز التنفيذ في 2 يناير 2016) والسويد، إضافة إلى تزايد حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية، فنجد أنها تتأخر عملياً على الأرض عبر تجاهل ما يبدو أنه انتفاضة ثالثة عفوية وغير منظمة من جيل الشاب. ومقابل “تسهيل تنفيذ الاتفاق النووي” وكأن إيران تملك ترف رفضه، تتغاضى إدارة أوباما عن الإرهاب الأصولي الصهيوني المتصاعد ويترك للسلطات الإسرائيلية حرية ممارسة جميع أنواع القمع. وفي الوقت الذي زعمت فيه الإدارة الأميركية أن هذا الاتفاق نفذ “كي لا تمتلك إيران قنبلة ذرية”، يطالعنا مؤخراً تصريح أحد المسؤولين التابعين لخامنئي، مهدي تائب، “أن امتلاك إيران للقنبلة الذرية يعزز الحكومة الإلهية”. كما اعتبره أمرا ضروريا “لدعم عودة المهدي” تاركاً المعنى بقلب الشاعر.
هذا وبعد أن مرّ مرور الكرام اختتام العراق للعام، بتنفيذ الإعدام في الشاعر أحمد النعيمي لأنه كتب قصيدته “نحن شعب لا يستحي” مرددا “مبروك… عراقنا أكبر حديقة حيوان بشرية، حكومتها إيرانية تحكم قطعانا عراقية”. أعلنت المملكة العربية السعودية في مفتتح هذا العام إعدام 47 شخصاً اتهمتهم بالإرهاب، بينهم رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر ما أثار موجة استنكار من عدة دول وخصوصاً من إيران ومن يدور بفلكها، ما يهدد بتصعيد الصراع الطائفي المذهبي في المنطقة، ولبنان أحد أفضل مراكزها. اللافت أن إيران المعترضة تأتي في طليعة الدول الممارسة للإعدام ضد معارضيها السياسيين نسبة لعدد السكان، ناهيك عن الأطفال. واتهامها للنظام السعودي بالاستبداد يثير السخرية فهي تفوقه استبداداً. لا يملك، من لا يتحلى على الأقل بالقيم الأخلاقية، حق الاعتراض. تظل المشكلة في ما سيترتب عن احتمال تفاعل قضية إعدام الشيخ النمر سواء في لبنان أو خارجه، بما ينذر بمزيد من تسهيل تنفيذ المخططات التي وضعت للمنطقة وكانت مجرد حبر على ورق. ومع أنني لست من أصحاب نظرية المؤامرة، لكن كيف نقرأ وقائع معينة؟ مثل تصريحات جو بايدن (وآخرين من الإدارة الأميركية) القائلة إن الحل هو في إعادة تقسيم خارطة سايكس بيكو، معطوفة على ما يتم تسريبه من دراسات استراتيجية ومنها على سبيل المثال ما أوردته روسيا مطلع العام حول مقالة بعنوان “الحدود الدموية.. كيف يمكن رؤية الشرق الأوسط بشكل أفضل” والتي نُشرت في العدد السادس من المجلة العسكرية الأميركية وتضمنت خارطة جديدة للمنطقة مفصلة على أساس عرقي ومذهبي، وتدرّس الآن في المعاهد العسكرية.
فهل من فسحة أمل في العام 2016.من غير الممكن على الأرجح.