بعبدا تمر من معراب
أحمد عدنان/العرب/15 كانون الثاني/16
لبنان يعيش مرحلة إدارة أخطاء تيار المستقبل الذي سلم الرئاسة مجانا للفريق الآخر، ولست أرى التيار، ومن خلفه السنة للأسف، في غير عزلة تامة بعد تسوية الحريري – فرنجية.
يبدو أن الدكتور سمير جعجع حسم قراره مرشحا غريمه ميشال عون لرئاسة الجمهورية، أغلب الصحف اللبنانية نشرت أن نائبه جورج عدوان بلّغ القرار لقوى 14 آذار. المعترضون على هذا الترشيح لديهم غير حيثية، ومنها ما هو معتبر وجدير بالتأمل، فترشيح عون، من وجهة نظرهم، يعني مكافأته على سياسة التعطيل التي مارسها منذ عودته من المنفى ومنها دخول لبنان مرتين في فراغ قاتل وتسميم الانتظام الحكومي مرارا، وتسليم لبنان كليا إلى الوكر الإيراني. والحقيقة أن الرد على هؤلاء سهل، فسليمان فرنجية (مرشح سعد الحريري) شريك في أغلب خطايا عون، وولاؤه لحزب الله يساوي ولاءه لبشار الأسد.
طباخو تسوية الحريري – فرنجية غير ملمين بتفاصيل الفسيفساء اللبنانية، على صعيد المناطق، هناك خصومة تاريخية بين إهدن (منطقة فرنجية) وبشري (منطقة جعجع)، فلو تصفحنا سجلات المؤرخين لن نتفاجأ لو وجدنا نسبة التزاوج بين المنطقتين ضئيلة جدا، ولن نتعجب من غارات متبادلة وحروب أهلية صغيرة بين المنطقتين سبقت حتى العصر المملوكي ولم تتوقف إلا باتفاق الطائف، وفوق كل ذلك ليس هناك أي مكسب سياسي قطعي لقوى 14 آذار، القائمة على فكر ومنهج القوات اللبنانية، يلوح خلف التسوية، ولو عدنا إلى التاريخ مجددا فإن السياسة نادرا ما جمعت بين حزبي القوات والمردة إلا في لحظات مؤقتة عرفتها “الجبهة اللبنانية”.
لبنان يعيش مرحلة إدارة أخطاء تيار المستقبل الذي سلم الرئاسة مجانا للفريق الآخر، ولست أرى التيار، ومن خلفه السنة للأسف، في غير عزلة تامة بعد تسوية الحريري – فرنجية، وليد جنبلاط انزوى في ما يسمى بالخيار الوسطي منذ انتخابات 2009، والجفوة بين المستقبل والقوات لا تحتاج إلى دليل، وبالتالي لم يبق من تحالفات المستقبل إلا البؤر الضيقة، ولا تلام القوات على نفاد صبرها إزاء الخيارات المستقبلية المجانية أو الأحادية، بداية من الانتخابات النيابية الأخيرة التي شهدت قسمة ظالمة حول المقاعد المسيحية، وعدم مراعاة الهاجس المسيحي حول الحضور في الدولة، وليس انتهاء بالحوار الحريري – العوْني ثم تسوية الحريري – فرنجية، فالفارق واضح بين الهاجس الحزبي المستقبلي، والهاجس الوطني القواتي، والحقيقة أن التيار الأزرق لو قام بواجباته اللازمة لما وصلنا إلى هذه اللحظات الداكنة، ربما عاندهم الحظ أحيانا، وربما اقتربوا من الصواب في أحيان أخرى، لكن الإخراج غالبا ليس موفقا.
تلقى سمير جعجع دعوة لزيارة السعودية، وأعتقد أنه حين يذهب إلى الرياض سيسمع رسالة حاسمة، الثقة معقودة على شخصه وعلى حزبه من المملكة، والعلاقة بين الرياض ومعراب خط أحمر وفوق كل اعتبار، ويحق للمراقبين التساؤل: ما الفرق بين الحوار القواتي – العوني وبين الحوار المستقبلي – العوني الذي رفضته المملكة سابقا؟ والإجابة في ورقة إعلان النوايا التي وقّعها جعجع وعون، فالنص النظري ليس فيه أي تنازل من جعجع عن قيم ومبادئ وثوابت قوى 14 آذار، بل العكس هو ما حصل، كل بنود النوايا مناقضة لسياسات عون ومواقفه، أي أننا أمام ورقة سياسية وليست ورقة سلطة مع أن المحك هو التطبيق. هل هناك ألغام تحدق بالترشيح القواتي لعون؟ بالتأكيد، فوجود عون في قصر بعبدا لن يكون منطقيا من دون وجود صقر مستقبلي في السراي الحكومي أقله فؤاد السنيورة، والأهم من ذلك هو مصير اتفاق الطائف بين عون وحزب الله اللّذين يحاربانه ومحور الاعتدال (إقليميا ولبنانيا) الذي يحميه، هل هناك اتفاق دولي فعلا على فرنجية؟ هل ستقبل القوات بمساومات حزب الله على انتخاب الرئيس المسيحي في حال رشحت عون رسميا؟ وما هو موقف الجنرال لو اكتشفت أنه استخدم كشماعة لتعطيل الدولة في حال لم يدرك ذلك؟ أحد الدبلوماسيين العرب بدا متفائلا وهو يسألني “هل تتوقع أن نجد عون يوما ما بعيدا عن حزب الله؟”، ولم أتمكن من مشاركته التفاؤل. من يظن أن ترشيح جعجع لعون يعني تمهيدا منظورا لحلف مع حزب الله واهم، فليس هناك أي قاسم مشترك يمكن أن يجمع بين الطرفين، وهؤلاء لا يقلون وهما عن من يظن بأن نبيه بري سيتمايز عن الحزب الإلهي مُصوّتا لفرنجية، الأوضاع في لبنان مقلقة فعلا، لكن وجود القوات اللبنانية، دائما، هو صمام الأمان، وما يثير التأمل أن خطوة جعجع تثبت أنه حتى لو انسدت القنوات الإقليمية، تستطيع الكلمة المسيحية أن تكون الأساس والملاذ للدولة اللبنانية.
لحظة نيل الجنرال عون ترشيح جعجع لرئاسة الجمهورية، يستحق الصديق توفيق الهندي (أحد أبرز ساسة ومثقفي لبنان) احتفالا خاصا، منذ أشهر طويلة يرى الهندي أن هذا هو الحل رغم تواجده في صلب قوى 14 آذار وقبل ذلك لقاء قرنة شهوان، اعتمدت وجهة نظره على أن عون خارج القصر الرئاسي حليف كامل لحزب الله وداخله نصف حليف، بدا واثقا بأن عون سيتغير داخل قصر بعبدا، لم يترك الهندي سبيلا إلا وسلكه لتسويق هذا الخيار، كنت شخصيا أراه يحرث في المستحيل، لم أرد التصديق، رغم السوابق الشاهدة والثابتة، بأن لبنان بلد المستحيلات.
ترشيح جعجع لعون بات ضرورة
نديم قطيش/المدن/الخميس 14/01/2016
لا شك في جدية خيار الدكتور سمير جعجع ترشيح الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية. الاسباب كثيرة. ابرزها أن الترشيح هو اولاً وأخيراً رد على خيار جدي آخر إتخذه الرئيس سعد الحريري بترشيح الوزير والنائب سليمان فرنجية، للخروج من نفق تعطيل الرئاسة والاستثمار المتعدد الجهات في الفراغ. تجاهل جعجع كثيراً إحتمال أن يقدم على الحريري على ما بات معلوماً أنه أقدم عليه، وإن لم يعلن ذلك رسمياً. وبالغ في تقديره لرغبة وقدرة الحريري على السير طويلاً في سياسة التريث والانتظار، وتعليق الاستحقاق الرئاسي ريثما يخرج عون من السباق، او تتغير معطيات اقليمية ودولية تأتي برئيس من خارج نادي “الكبار”.
ثانياً، يقدر جعجع أن سيره في ترشيح عون بعد مسلسل التفاهمات واعلانات النوايا، واللقاءات الطويلة، أياً تكن النتيجة، يضيف الى رصيده التصالحي المسيحي، ويردم شروخاً عميقة في العلاقات المسيحية المسيحية، بين الزعيمين كما بين قاعدتي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر.
كل شيء يوحي، إذاً أن الخيار هذا أكثر من مناورة، ورويداً رويداً يكتسب منطقاً داخلياً وقوة دفع واسباباً لاستمراره ليست بالضرورة هي نفسها محفزات وظروف ولادته.
في المقابل، أمام خيار الحكيم بترشيح عون تحديان غير سهلين.
بداية هو رفض ترشيح فرنجية ونظَّر لرفضه على قاعدة أن موقف القوات اللبنانية ليس موقفاً تجاه إسم الرئيس او شخصه، بل تجاه أى رئاسة سيعيش معها اللبنانيون في السنوات الست القبلة. ما رشح عن موقف معراب يفيد ان ما يهم جعجع هو “رئيس يشبه مشروعنا ويحفظ ثوابت 14 آذار ودماء الشهداء”، وهي منصة أخلاقية-سياسية، وقف عليه قواتيون ومؤيدون للقوات، لمهاجمة “تسووية واستسلامية” سعد الحريري. غير أن المكسب بإنتزاع “الصفة التمثيلية لضمير 14 آذار”، تحول الي تحدٍ أمام خيار القوات ترشيح عون. وسيحتاج المرء للي عنق الوقائع كثيراً لتقديم قراءة تفيد أن عون “رئيس يشبه مشروعنا ويحفظ ثوابت 14 آذار ودماء الشهداء”.
التحدي الثاني، يكمن في الموقف العربي، وتحديداً السعودي، الرافض لترشيح عون، وهو موقف أُبلغ للدكتور جعجع بديبلوماسية عالية وبعبارات غلبت اللياقة فيها على الوضوح، كما هي قواعد “علم الكلام” في المملكة. أما الرفض، الذي يتشارك فيه الحريري والعرب، فمرده أن عون لم يقدم على أي خطوة من شأنها أن تطمئن العرب الى طبيعة علاقته بحزب الله الذي بات يشكل رأس الحربة الايرانية الناطقة باللغة العربية في مواجهة العرب. ويعطي مسؤول عربي مثالاً في المقابل يفيد ان موقف الوزير سليمان فرنجية كان لافتاً من جريمة مضايا. ففي تغريدة على موقع تويتر كتب فرنجية أنّ «الوجع كما الحرص يكون واحدا على مضايا كما على كفريا والفوعة ونبل والزهراء». ليس مهماً أن موقفه ساوى بين معاناة مضايا ومعاناة قريتي الفوعة كفريا الشيعيتين والمحاصرتين من فصائل ثورية مسلحة، لأنه في العمق شكل اعترافاً بحصول الجريمة، بل وبشكل غير مباشر، بمسؤولية حلفائه عنها في الوقت الذي كان هؤلاء ينكرون المأساة والمسؤولية. وسيزداد ضغط هذا العامل على موقف القوات من عون في إثر الفضيحة السياسية التي مثلها موقف وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب، الذي رفض التصويت على قرار عربي يدين الاعتداءات الايرانية على السعودية. مستوى الاستياء العربي من باسيل، ومن كثيرين غيره ممن هم في خانة الحلفاء والاصدقاء، ( كتغطية الرئيس تمام سلام لباسيل، وصمت آخرين بحيث لم يضهر الا بيان الحريري)، سيسحب نفسه على الموقف من عون، ويؤكد للمتشككين فيه شكوكهم، بأنه ليس أكثر من واجهة لحزب الله.
حتى الان لا يتعامل جعجع مع هذه الوقائع بجدية كافية. فهو يرغب في قراءة الموقف السعودي و”طراوته”، انه موقف غير حاسم برفض عون وتبني تسوية فرنجية. وهو يعتبر ان الدعسة الناقصة للرئيس سلام بتغطية باسيل، تحرره من ان يكون عروبياً وخليجياً أكثر من رئيس حكومة لبنان! كما يعتبر أن الاستنفار القواتي في مواجهة فرنجية كافٍ لتبليع القواتيين ترشيح عون، وتجاوز عنوان “رئيس يشبه مشروعنا ويحفظ ثوابت 14 آذار ودماء الشهداء”. في شتى الأحوال ترشيح الدكتور جعحع للجنرال عون خطوة ممتازة ويجب ان تحصل في اسرع وقت ممكن لأنها، بصرف النظر عن التقييم السياسي او الموقف من الجنرال، تغذي المناخ الضاغط لعقد جلسة لإنتخاب رئيس بنصاب مكتمل. وليتنافس عون مع الوزير والنائب فرنجية، ولينتخب كل فريق من يراه مناسباً، ونكون جميعاً قد تكاملنا لكسر الحصار المفروض على جلسة الانتخاب ووضعنا الجميع امام مسؤولية تأمين النصاب. أتمنى أن أرى الجنرال في معراب اليوم قبل الغد وأن استمع الى مؤتمر صحافي مشترك للرجلين يعلن فيه الحكيم ترشيح عون. فالاثر الانقاذي الدستوري لهذه الخطوة يفوق أي إختلاف سياسي ناتج عن الانحياز الى أي من المرشحين. المهم الان أن تتكامل الجهود لاعادة الاعتبار للنصاب الدستوري والمؤسساتي، وخطوة ترشيح عون لا يمكن الا ان تصب في هذا الاتجاه.