كفرّمان je suis
عمـاد مـوسـى/لبنان الآن/15 كانون الثاني/16
ليست المرة الأولى التي يحاول فيها “الحرس الثوري اللبناني” (أي “حزب الله” منعاً للتأويل) تعميم “ثقافته” بالقوة على بيئة شيعية صافية، أو على بلدات جنوبية وبقاعية ذات أكثرية شيعية. ويفترض “الحزب” ذو الوجه الإيراني أنه يمثّل المرجعية الوطنية والفقهية للشيعة في لبنان حتى لو وُلدوا من أرحام أمهاتهم “شيوعيين” أو “تقدميين إشتراكيين” أو “شمعونيين” أو “أسعديين” نسبة إلى أحمد بك الأسعد (الجد) ونجله “كامل”. قبل أربعة أعوام تصدى الطبيب غالب صالح وولداه لقرار “حزبي” مُهّد له بعروض مالية سخية قُدمت لأصحاب محال في كفرّمان تبيع الخمور، ذاهباً إلى الحدّ الأقصى ففتح محلاً لبيع الخمور على مدخل البلدة (جادة الرئيس نبيه بري)، متحدياً سلطة حزب الله. إيماناً باحترام الحريات والخصوصيات لم ترضخ كفرّمان كما جارتها النبطية التي انصاعت لقرارات “الحزب” العام 2011 كسلطة منتدبة تكره جوني ووكر وأخوانه كما تكره الأخطل الكبير وعمرالخيّام و”أبو نوّاس” وصاحب “الأطلال” ابراهيم ناجي.
ممنوع على أبناء البيئة الخاضعة لحزب الله أن يرددوا مع أم كلثوم: هل رأى الحب سكارى مثلنا\كم بنينا من خيال حولنا\ومشينا في طريق مقمر\تثبُ الفرحة فيه قبلنا\وضحكنا ضحك طفلين معاً\وعدونا فسبقنا ظلنا. ابراهيم ناجي شاعر ملعون. وسيصدر “حزب الله” بلاغات بحث وتحر عن أنصار شاعر الأطلال في بيئة المقاومة الإسلامية لتحصينها ضد الفن الماجن. وإن لم يفعل ذلك مباشرة فقد يوعز للأهالي أن يتصرفوا بما يمليه عليهم الواجب الشرعي. والجميع يدرك ما يستطيعه الأهالي في الجنوب المحروس والبقاع العبوس والضاحية الشموس متى تعلّق الأمر بالأخلاق الحميدة. في إمكان الأهالي تغيير قواعد الإشتباك في الجنوب وإشعال حرب. في إمكان الأهالي تأديب اليونيفيل وطرد الكتائب غير المرغوب فيها. وفي إمكانهم تشكيل فرق نسوية مهمتها تنفيذ عمليات إطباق على عيادات متخصصة. يعتقد “حزب الله” أن أهالي كفرّمان كما أهالي برج قلاويه وزفتا جزءٌ لا يتجزّأ من منظومة “أهالي الحزب” والبيئة الحاضنة بالكامل لـ”المقاومة الإسلامية” وبالتالي لا يمكنه القبول بتعددية حزبية أو بوجود أصوات إعتراضية على سياسته وسلوكه الإجتماعي المتزمّت. قالها الشيخ نعيم قاسم بصراحته الحادة والمزعجة كـ”خر برّ” ينخر ضرس العقل: إن هدف حزب الله “إقامة الدولة الإسلامية والتي تكون جزءاً من المشروع الذي نؤمن به على مستوى العقيدة وعلى مستوى الثقافة”، والدولة هذه إن لم تقم بعدُ على كامل التراب اللبناني، فهي قائمة حيث يمارس حزب الله سلطته “الثقافية” وهيبته “الفكرية” متى وكيفما شاء. مرة جديدة إنتفض “الأهالي” في كفرّمان (يمثّلهم في البرلمان رئيس السن عبد اللطيف الزين) ضد المخلّين بالمعتقد الديني، ورفعوا عبر رئيس المجلس البلدي طلباً للمحافظ بإقفال ثمانية محال لبيع الخمر “ما يؤدي إلى نشر الفساد والمساس بالشعور الديني والشريعة الإسلامية لأهل البلدة…”. عملاً بأحكام الدستور اللبناني والقوانين المرعية، واستناداً إلى رفض أكثرية اللبنانيين تطبيق أنظمة الشريعة الإسلامية، أُعلن كلبناني منذ أكثر 40 عاماً تضامني مع أحرار كفرّمان، كما تضامنت سابقاً مع محبّي البيرة (5% كحول) ضد قرارات المجلس البلدي لمدينة طرابلس. أتضامن بجملة مستعارة: كفرّمان Je suis.
لا مفرّ من انتخابات بلدية في أيار “حزب الله” يفضّل تأجيلاً…والداخلية “حاضرة”
ايلي الحاج/النهار/15 كانون الثاني 2016
على أبواب اللبنانيين تقرع انتخابات بلدية واختيارية موعدها أيار، ووزارة الداخلية والبلديات جاهزة وحاضرة لها قانوناً. انتخابات ستلقي حجراً في مستنقع التمديد وتصريف الأعمال العملي وتعطيل للمؤسسات اعتاده المواطنون حدّ الخمول. تتقاطع معلومات منذ أشهر عن مواقف الأحزاب والتيارات السياسية الرئيسية من إجراء الانتخابات البلدية والإختيارية، مختصرها أن ثمة غالبية متحفزة لـ”معركة” سياسية وإعلامية فور صدور أي إشارة إلى نية لتمديد ولايات المجالس البلدية والإختيارية وعدم إتاحة الفرصة لتكرار ما سمي بـ”الحراك المدني” ضد كل القيادات والمسؤولين بلا استثناء كما فعل عند محطات سابقة مثل التمديد لمجلس النواب، خصوصاً عندما اندلعت أزمة النفايات. يتطلع السياسيون الذين شعروا بالإهانة من شعارات “كلكم يعني كلكم” التي اتهمتهم بالفساد إلى معركة رد اعتبار سيوفرها لهم الفريق الذي سيقدم على اقتراح ضم البلديات إلى المؤسسات المعطلة انتخاباتها. والمعركة ستكون رابحة سلفاً، فلا مبرر إطلاقاً لتأجيل الإنتخابات البلدية والإختيارية، وليس لدى من يطلب إرجاءها ما يقوله للناس. الوضع الأمني؟ جيد جداً مقارنة بظروف سابقة حصلت فيها انتخابات وبأوضاع كل دول الجوار والعرب. الخوف من الفتنة؟ إنها نائمة بل مغشي عليها ولن تستيقظ ما دام الأطراف الحزبيون والمذهبيون حرصاء على الحكي والتحاور والتشاور بعضهم مع بعض. القياس على انتخابات رئاسة الجمهورية ومجلس النواب؟ انتخاب الرئيس يحتاج إلى نصاب مفقود والبلديات لا تحتاج انتخاباتها إلى نصاب. مجلس النواب يلزم لتجديده قانون للانتخابات مفقود ويتعذر التفاهم عليه، أقله حتى اليوم. أما قانون الإنتخابات البلدية والإختيارية فـ”حاضر ناطر”. وأما تأجيلها فيحتاج إلى قانون من مجلس النواب لن يحظى بغالبية بالتأكيد. ليست الرغبة وحدها في النزول إلى الشارع لقطع طريق على “حراك مدني ما”، وتسجيل سبق عليه، ما يحفّز المتحمسين للإنتخابات الصغيرة والموزعة على أرجاء البلاد. هناك اقتناع عميق لدى الأحزاب والتيارات بأن لبنان متجه إلى إقرار اللامركزية الموسعة عملياً وتطبيقها وفلش نطاقها إلى أقصى حد ممكن في ضوء ثبوت إخفاق السلطة المركزية في حل أبسط مشكلات المواطنين: رفع النفايات من الشوارع ومن تحت الأنوف. في المواقف كان “تيار المستقبل” سباقاً أول من أمس إلى إعلان تأييده الإنتخابات البلدية في بيان كتلته النيابية الأسبوعي، ولا بد أن وزير الداخلية نهاد المشنوق أطلع الكتلة قبل أي أحد آخر على قضية الإنتخابات البلدية وما حولها. حزب الكتائب كان رئيسه النائب سامي الجميّل منذ أشهر يحذّر في مجالسه من أي حديث عن إرجاء هذه الانتخابات حين يقترب موعدها ويحض أنصاره على الإستعداد للتحرك من أجل فرض إجرائها وخوضها حيث للحزب حضور. حزب “القوات” كذلك يستحيل أن يقبل بانسحاب حال مجلس النواب على مجالس البلديات “ولو نزلت السما على الأرض”، بتعبير نائب رئيس الحزب النائب جورج عدوان لـ”النهار” في تشرين الثاني الماضي، مضيفاً: “سنخوض أكبر معركة سياسية وإعلامية لإسقاط أي تفكير في التمديد للبلديات والمختريات”.
لماذا هذه الاستباقات والمخاوف؟ الواقع أن معلومات تتجمع لدى متابعي الموضوع عن رغبة لدى “حزب الله” تحديداً في إرجاء الإنتخابات البلدية بذريعة انتظار عبور سُحُب الإرهاب المتجمعة فوق المنطقة ومعها أجواء التشنج السياسي والمذهبي، وإلى أن ترسي تسوية ما ركائزها في سوريا من خلال مفاوضات جنيف وفيينا. يقول هنا خصوم للحزب من بيئته إن انشغالاته الحربية المرهقة في الحرب السورية والكلفة الكبيرة التي تكبدها ويتكبدها هناك إضافة إلى أداء سيئ لبلديات محسوبة عليه في المناطق ذات الغالبية الشيعية، شمالاً وجنوباً وضاحية، ستفتح عليه أبواباً يفضل إبقاءها مغلقة في هذه المرحلة، فكيف إذا كانت الإنتخابات ستضطره إلى خوض مفاوضات وترتيبات مرهقة مع حليفته حركة “أمل”، المتطلعة دوماً إلى منافسته بما تيسر لها من إمكانات خدماتية، وأيضاً مع العائلات والعشائر التي يصعب ضبطها في بعض المناطق؟ ويتردد على نطاق واسع أن رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط غير متحمس للإنتخابات البلدية والإختيارية في الربيع هو أيضاً لأنها ستضطره إلى عقد عشرات وعشرات من اللقاءات والإجتماعات توصلاً إلى تفاهمات مرهقة في بعض البلدات والنواحي، ويعكس بعض المطلعين على الإهتمامات في البيئة الدرزية توجساً من احتمال تطبيق طرفي “إعلان النيات” نياتهما في منطقة الجبل، لكن المتابعين يؤكدون أن هذا الاحتمال غير وارد في سياق من التحدي على الإطلاق. “القوات” خصوصاً متمسكة بروح المصالحة في الجبل إلى الحد الأقصى.
لا انتخابات رئاسيّة فيها غالب ومغلوب بل رئيس توافقي مراعاة لدقّة المرحلة
اميل خوري/النهار/15 كانون الثاني 2016
ماذا يحصل لو أن الدكتور سمير جعجع قرّر تأييد ترشيح العماد ميشال عون منافساً للمرشّح النائب سليمان فرنجيه؟ هذا السؤال تختلف الأجوبة عنه باختلاف الجهة والمصدر. ثمة من يقول إن الرئيس نبيه بري قد لا يدعو الى عقد جلسة للانتخاب تجنّباً لمواجهة هذا التنافس الحاد الذي ينعكس خلافاً وانقساماً داخل أكثر من كتلة، عدا ان الظروف الداخلية والإقليمية قد لا تسمح بمعركة “كسر عضم” تنتهي بغالب ومغلوب وتجعل الرئيس المنتخب عاجزاً عن الحكم بدءاً بتشكيل أول حكومة والاتفاق على بيانها الوزاري وسط انقسام داخلي بين محورين متصارعين سعودي وإيراني، وثمة من يقول إن الجلسة إذا ما انعقدت لانتخاب أحد المرشّحين عون وفرنجيه فإن أيّاً منهما قد لا يستطيع الحصول على أصوات الأكثرية النيابيّة المطلوبة أي 65 صوتاً ومن الصعب على كل منهما إجراء عملية حسابية دقيقة للأصوات باعتبار أن أكثر من نائب في كل كتلة قد يؤيّد فرنجيه أو يؤيّد عون لعلاقة شخصية أو مناطقية، لأن المعركة بينهما لا تدور بين خطّين سياسيّين كي يعرف موقف كل كتلة، انما تدور بين مرشّحين من خط سياسي واحد فيصبح موقف الكتل والأحزاب واضحاً ولا تضيع بمن يلقي أوراقاً بيضاء في صندوق الاقتراع وتتعذّر معرفة معظمهم، عدا أن نواباً قد يعدون هذا المرشّح أو ذاك، وعند الاقتراع يغيّرون موقفهم ولا أحد يعرف لمن صوتوا أو من منهم ألقى ورقة بيضاء في صندوق الاقتراع. وثمة من يقول إنّ أيّاً من المرشحين فرنجيه وعون قد لا يغامر بحضور جلسة مكتملة النصاب قبل أن يتأكّد من فوزه، خصوصاً إذا حضر عنصر المال وقلب كل الحسابات، أو كانت المفاجأة انتخاب مرشّح ثالث يصير الاتفاق عليه خلف الكواليس والأبواب المغلقة، وهي مفاجأة قد تكون لها ردود فعل سلبية شديدة عند كل من فريق فرنجيه وفريق عون تجعل المرشّح الثالث الذي فاجأ الجميع بفوزه غير قادر على الحكم. لذلك يرى بعض المراقبين انه لا بد من التفاهم داخلياً واقليمياً ودولياً على مرشّح توافقي يفوز بشبه اجماع، وهذا التوافق من شأنه أن يسهّل أمامه طريق الحكم كما يسهّل تشكيل الحكومة وإقرار قانون عادل ومتوازن تجرى الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه، ولا تخاض معركة الانتخابات الرئاسية حتى بين مرشّحين مستقلّين لئلا تجعل نتائجها فريقاً غالباً وفريقاً مغلوباً، وهذا ما لا يتحمّله الوضع الدقيق في لبنان ولا الوضع الأكثر دقّة في المنطقة. والتفاهم على مرشّح توافقي يفوز بشبه اجماع يحتاج إلى أن تكون الأزمة السوريّة قد دخلت مرحلة الحل لتطمئن إيران، والأزمة اليمنية دخلت أيضاً مرحلة الحل لتطمئن السعودية، وقد يكون هذا ما جعل الرئيس بري يقول أن الرئاسة الأولى أصبحت في الثلاّجة ولا بد في خلال مرحلة الانتظار من تفعيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب.
إن حصر التنافس بين عون وفرنجيه على رئاسة الجمهورية يجعله تنافساً بين شخصين وليس بين خطّين سياسيّين بحيث أن فوز أي منهما يشكّل انتصاراً للخط السياسي الإيراني وهو ما لا يريده خصوم هذا الخط في الداخل اللبناني وفي خارجه، وهو مرفوض منهم بصرف النظر عن العلاقة بأي شخص منهما.
يقول سياسي مخضرم ان كل انتخاب يتنافس فيه أقوياء ينتهي بالاتفاق على مرشّح تسوية أو مرشّح توافق، وهو ما حصل غير مرّة في الانتخابات الرئاسيّة ففضّلت الأكثرية النيابيّة، مثلاً، شارل حلو رئيساً للجمهورية على العميد ريمون إده وهو الأقوى، وفضّل الزعماء في جبل لبنان أن يأتي رئيس من الجنوب أو من البقاع أو من الشمال كي لا تتأثّر زعاماتهم بمجيء رئيس من الجبل فيضعفها. وقد كان هذا من أسباب عدم اتفاق أركان “الحلف الثلاثي” (شمعون – الجميل – إده) على مرشّح واحد منهم، وهو الآن من أسباب عدم اتفاق الأقطاب الموارنة الأربعة على مرشّح منهم أيضاً، فكان شبه اتفاق على فرنجيه لأنه من الشمال وليس من الجبل. وما يحصل في الانتخابات الرئاسيّة بين أقوياء يحصل أيضاً في انتخابات البطاركة الموارنة، إذ عندما تعذّر الاتفاق على مرشّح قوي منهم كان الاتفاق على مرشّح تسوية أو توافق مثل البطريرك عريضة، والبطريرك خريش، ولم ينتخب المطران المعوشي القوي بطريركياً إلا بشبه تعيين من الفاتيكان.
يبقى أن أهم ما في معركة الانتخابات الرئاسية، وتجنّباً لمواجهة لعبة التعطيل بإفقاد النصاب عند كل استحقاق، أن تتّخذ هيئة مكتب المجلس أو مجلس النواب قراراً بجعل حضور النواب جلسة انتخاب الرئيس إلزامياً لإفساد هذه اللعبة التي قد تتكرّر في كل انتخاب رئاسي، والأهم أيضاً أن تفهم القوى السياسية الأساسية في البلاد أن لا انتخاب لرئيس يكون بانتخابه غالب ومغلوب، لا داخلياً ولا عربياً واقليمياً، وسيبقى رئيس لبنان غير منظور إلى أن تُعيد إيران النظر في موقفها من الوضع في لبنان بعدما أصبح فاقد الوزن بسبب انقسامه الداخلي الحاد.