من جنيف «مع أطيب النيات»
زهير قصيباتي/الحياة/03 شباط/16
المضحك أن تطالب المعارضة السورية في جنيف، النظام بإبداء «نيات طيبة». المضحك المبكي أن يمنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على «جيش الإسلام» و «أحرار الشام» بضوء أخضر للاعتراف بحضورهما في جنيف، كأشخاص. المبكي هو هو، ما زال منذ 5 سنوات، مزيداً من الموت… ومَنْ لا يسقط بغارات قيصر الكرملين، يبتلعه البحر. ولكن، لماذا التذمُّر؟ ألم يتراجع النظام السوري أخيراً عن حرب البراميل المتفجّرة؟ هو لم يعد بحاجة إليها، ما دامت «سوخوي» الحديثة تفعل فعلها، إلى حد يشيعُ الغبارَ عواصف تغشى الأبصار، فلا يستغرب السوريون أن يأتي يوم يطلب فيه النظام الرأفة من الرئيس فلاديمير بوتين… لا لشيء إلا لأن مَنْ لم يغيّبهم الموت هم ضرورة اقتراع، بعد «تطعيم» الدولة بتشكيلة «وحدة وطنية» حكومية، مرشدها الرئيس الذي يبقى في سدة الحكم على الخراب، فقط لأن «الشعب يريده».
أي سيناريو أسود؟ ولكن، ألم يقل موفد الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا إن السعي إلى وقف القتل ليس من اختصاصه؟ دوره البحث عن الغد «الدستوري»، عن صناديق اقتراع لانتخابات نزيهة، في سورية التعدُّدية… أن ينتقل من «غرفة» النظام في جنيف إلى «غرفة» المعارضة التي تنتظر «نيات طيبة» ممن دمّر البلد ومزّقه، بعدما زجّ به تحت عمامة الوصاية الإيرانية. فليتمسّك السوريون بحكمة دي ميستورا، لعل الرئيس باراك أوباما المنزعج من رائحة الدم، يجدّد التنازل لـ «المفوّض السامي» بقوة الـ «سوخوي»، فلاديمير بوتين، المفتون بقدرة الجيش الروسي على اختبار الأسلحة الحديثة، في حقل الرماية السوري. وكلما قضم الروس من قدرة المعارضة على القتال، قد يختبر جيشهم وقف النار بين جولة وأخرى. إنه السبيل الوحيد لإعادة «تأهيل» ما يسمّونه الحكومة الشرعية في دمشق. وسواء أدرك دي ميستورا أم غلّب «النيات الطيبة»، فالوقائع ترجّح اعتماد بوتين سياسة سلخ المعارضة عن سلاحها، وحشرها في جزر متباعدة على الأراضي السورية… فمقابل كل جولة حوار بين غرفتي النظام والمعارضة، تشطب الـ «سوخوي» المزيد من خريطة مواقع الفصائل المقاتلة، وبعدها يترحّم الجميع على صيغة «جنيف 1»، وهيئة الحكم الانتقالي. الانتقال الوحيد الذي ترغب فيه موسكو، هو انتقال الأسد من القصر إلى… القصر.
هل من الحكمة إذاً، التساؤل عمن جرّ السوريين إلى الحرب العبثية المجنونة، ليكون ثمن «حكومة وحدة» حوالى ثلاثمئة ألف قتيل، وتشريد عشرة ملايين؟ أم يلعن السوريون الظلام الروسي الذي يمدّده الغرب طوعاً بـ «التفويض» الأميركي لقيصر الكرملين؟ ألم تكن العصا الأميركية جاهزة عشية جنيف، لتضغط على رأس المعارضة بتحذيرها من وضع أي شرط قبل دخول قطار المفاوضات غير المباشرة؟ لم يعد مطروحاً اليوم كم يبقى نظام الأسد بعد، فهو مجرد ركن من استراتيجية بوتين الجديدة التي تبدأ من شبه جزيرة القرم، ولا تنتهي في طهران واللاذقية. لكنه ركن مطلوب بإلحاح كما الحرب إلى أن يُنجز تفاهمٌ أميركي – روسي على الحل، تعتقد موسكو أنه بات مستحيلاً في عهد أوباما. نبأ سيئ لسورية المعذّبة أنها تحت سياط الغارات، ستبقى في موقع المتفرّج على المهرجانات الانتخابية الأميركية، حتى اختيار خليفة لأوباما. وكلما ابتهج القيصر بنشوة انتصاراته التي يظن أنه يرسم بها نظاماً عالمياً جديداً، حلّت بالسوريين نكبة جديدة.
بين خليفة أوباما و «خلافة داعش»، لا بأس لدى قيصر الكرملين بتمهيد أرض الشرق الأوسط وتعويده أيضاً على «اختبارات» توبيخ لتركيا، من أجل نزع أسنان نفوذها «العثماني». فلا فتح أبوابها للاجئين قرّبها إلى البيت الأوروبي، ولا المواجهة المفتوحة ممكنة مع مَنْ ابتلع القرم ولم يندم، رغم سيف العقوبات.
أقسى المرارات للسوريين ومعارضاتهم، أن يلتقي «هلال» إيران المرشد و «الحرس الثوري»، مع صحوة «مرشد» النظام العالمي الجديد، الجاهز لكل اختبارات القوة. عليهم أن ينتظروا الصفقة الكبرى في عهد ما بعد أوباما، وقبلها معركة حلب ومعركة الموصل، وأن ينتظروا الحسم مع «داعش»… وربما بعدها حسم ملف الطموحات الكردية.