نصرالله بين إيران وإسرائيل
أحمد عدنان /العرب/19 شباط/16
الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، ربما يكون الخطاب الأكثر إثارة للشفقة في تاريخه. هو خطاب يدين خطاب صاحبه وخطه السياسي، من دون أن يخدش بخصوم محور الممانعة لبنانيا وعربيا. دعونا نتأمل المناسبة جيدا، ذكرى استشهاد أو اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية، أشارت بعض المصادر إلى أنه مهندس العلاقة بين تنظيم القاعدة وبين إيران وحزب الله، عاد اسمه إلى التداول هذه الأيام بعد اعتقال محمد نور الدين الموقوف خارج لبنان بتهمة تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات، يعمل نور الدين في مكتب باك “قسم العمليات التجارية لجهاز الأمن الخارجي في حزب الله” المخصص لتمويل نشاط الحزب الإلهي، وقد أسس هذا المكتب عماد مغنية المطلوب في العشرات من الدول بسبب خطف الطائرات وتفجير سفارات واستهداف مدنيين، ولا أعلم كيف يجتمع الله والمخدرات في حزب واحد إلا إذا كانت هناك صلة لإيران.
فلنتأمل مضمون الخطاب، لقد خلا من أي إشارة إلى لبنان، وهذا غير مستغرب من حزب إيراني، لبنان بالنسبة إليه حيز جغرافي لا أكثر. وإذا انتقلنا إلى التفاصيل تتضاعف المأساة، لقد ذكرنا نصرالله بجرائم إسرائيل في فلسطين “السنية” وفق نص نصرالله، ثم أكمل مترجيا العرب والسنة ألا يفضلوا إسرائيل على إيران.
دعونا نتأمل هذه الزاوية التي أثارها نصرالله نفسه، المقارنة بين إيران وإسرائيل، والحقيقة نحن أمام دولتين متشابهتين إلى درجة كبيرة، فكلاهما يصح تصنيفه في إطار الدولة الدينية، إيران هي الجمهورية الإسلامية، وإسرائيل مع تصاعد تأثير القوى الإسلاموية في العالم اختارت أن تكون “الدولة اليهودية” بدلا من “دولة لليهود”، وهذه ملاحظة لا تربط فقط بين إسرائيل وإيران، بل تشير أيضا إلى التحالف الموضوعي بين إسرائيل وبين قوى الإسلام السياسي، فمن جانب من الجوانب، كلا الطرفين، الدولة الصهيونية والإسلام السياسي وعلى رأسه إيران وحزب الله، يمنحان شرعية الوجود والتطرف لبعضهما البعض.
وإذا أكملنا منظار التشابه بين إيران وإسرائيل، سنلاحظ أنهما تنظران بدونية إلى جنس العرب، كما أنهما تحملان نفس الهم التوسعي، مع ضرورة الإشارة إلى نقطة مثيرة، أن إسرائيل تراجعت عن التعريف الكلاسيكي للتوسع “السيطرة على الأرض”، إلى تعريف أكثر حداثة “السيطرة على الزمن”، وليس أدل على ذلك مشروع الجدار الفاصل في الأراضي المحتلة، هذا الجدار أعلن موت الحلم الأسطوري “دولة من النيل إلى الفرات”، لكنه بلا شك لم يقتل بعد مشروع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية. يلاحظ نصرالله أن النبرة العدائية العربية إزاء إسرائيل تقلصت وتحولت إلى نصيب إيران، وكلامه دقيق، لكن هذا التحول لا يدين العرب، بل يدين إيران حصرا. عدد نصرالله جرائم إسرائيل من تجويع وتهجير وتطهير عرقي، وما ذكره حقيقة ناقصة، فما فعلته إسرائيل ضد “السنة” الفلسطينيين في الماضي، تفعله إيران اليوم عبر حزب الله والحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي في لبنان والعراق وسوريا، نذكر السيد بد يالي في العراق، ومضايا والقصير والزبداني في سوريا، والطفيل وعرسال في لبنان، إضافة إلى اغتيال شهداء ثورة الأرز واستهداف بيروت والجبل في أحداث 7 مايو، هذه نماذج من جرائم إيران ونصرالله وحزبه، لن نتحدث عن تفجيرات الخبر ومحاولة اغتيال أمير الكويت ومشروع نمر النمر الميليشيوي وخلايا التجسس في دول الخليج واستهداف الدولة اليمنية وتعطيل الدولة اللبنانية، إننا نتحدث عن إجرام حاضر مطابق لإجرام إسرائيل في الماضي، بل إن بعض الجرائم الإيرانية لم تجرؤ عليها إسرائيل، بالتأكيد لم تتوقف إسرائيل عن إجرامها وإرهابها إلى يومنا هذا، لكنها اليوم من حيث الكم تتضاءل أمام جرائم إيران وإرهاب أذنابها. يؤسفني أن أبلغ أمين عام الحزب الإلهي، أن جرائم حزبه ودولته الراعية في لبنان وفي العالم العربي، لم تسحب منه فقط الصفة اللبنانية التي تحتقرها أدبيات الحزب وشعاراته، بل سحبت منه العروبة وألغت حقه في الحديث عن قضية شريفة كالقضية الفلسطينية. ليس مسموحا أن يتحدث نصرالله عن السنة، وهو يتخذ الحرب على الإرهاب شماعة لإبادتهم وتهجيرهم وتجويعهم، لقد ذكرني بالمثل المصري “يقتل القتيل ويمشي في جنازته”. يزعم أمين الحزب الإلهي أن الموقف السعودي والإسرائيلي واحد في سوريا، ولو كان كلامه صحيحا لما ظل بشار الأسد ولما كان بوتين ونتنياهو على أتم تنسيق، يكفي أن نتذكر تصريح رمز أسدي هو رامي مخلوف “بقاء الأسد من أمن إسرائيل”. إيران تسير اليوم على منهج إسرائيل، تستنسخ التجربة الإسرائيلية في العراق وسوريا ولبنان، ومن حسن الحظ أنها فشلت في اليمن، ولا أتوقع أن تنجح في سوريا، والمؤسف حقا أن أفعالها شرعت وجود إسرائيل وجملت صورتها. إيران هي إسرائيل الثانية وما يسمى بحزب الله أو بالحرس الثوري أو بالحشد الشعبي، استنساخ متأخر لعصابات الهاجانا وإرجون التي قامت على إرهابها الدولة الصهيونية، إيران وأذنابها أسوأ من إسرائيل، وهذا ليس ثناء على الصهاينة ودولتهم، إنما مذمة لإيران وحزب الله إلى يوم يبعثون.
«مرشد الجمهورية» والهروب من الداخلي إلى الإقليمي
ربى كبّارة/المستقبل/19 شباط/16
غيّب الامين العام لـ»حزب الله» حسن نصر الله الشأن الداخلي عن خطابه الاخير، وكأنه يوحي بأنه سبق له ان قال كلمته ومشى في الشأن الرئاسي، وتتلخص حصرا بضمانة وصول حليفه النائب ميشال عون، وإلا فالفراغ مستمر حتى حسم الاوضاع الضبابية في الاقليم، الذي صال وجال في فضائه باعتبار محوره الممتد من ايران الى روسيا يحقق انتصارات حاسمة في سوريا. وفيما يحتل ملء الفراغ الرئاسي الذي مضى عليه عشرون شهرا اولوية سائر القوى السياسية، خصوصا مع عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت وجهوده «كزعيم فعلي» لتحقيق نصاب جلسة انتخاب رئيس للجمهورية، وفق سياسي لبناني سيادي، لان الاهم حاليا «حماية لبنان» من اللهيب المستعر في المنطقة خصوصا مع انخراط «حزب الله» المستمر في الحرب السورية الى جانب الاسد. فقد تجاهل نصر الله، باعتبار نفسه «مرشد الجمهورية» وزعيما اقليميا عابرا للحدود، خشبة الخلاص التي مدّها له الحريري عندما رفض ان يقال ان الحزب لا يريد الانتخابات الرئاسية انما «يستمهل»، وتأكيده ان تيار «المستقبل» لن يقاطع اية جلسة انتخاب وهي الذريعة التي سبق لنصر الله ان تلطى خلفها حتى لا يؤمن نصاب انتخاب عون بعد ان تبنت ترشيحه «القوات اللبنانية«. فنصر الله المتحكم عمليًا بالساحة المحلية، عبر سلاحه والتعطيل، لم يجد مرجعية لتوصيف الملفات الاقليمية غير تقارير اسرائيلية مفادها «ان نكون اصدقاء مع السنة العرب»، والتي القى بثقلها على حكام عرب وشخصيات لم يجد اسما واحدا منها ليعرضه، وهو ما يرى فيه المصدر نفسه دليل ارباك وهروب الى الامام ومحاولة لشد عصب الطائفة التي ترزح تحت وطأة الخسائر البشرية في سوريا. ومن ابرز حججه على التواطؤ «تطابق بين الادبيات الاسرائيلية وبعض الإعلام العربي خصوصا السعودي والخليجي» متناسيا مثلا ان وزير الاستخبارات الايراني السابق حيدر مصلحي سبق له ان استشهد بقول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو عن سيطرة ايران على اربع عواصم عربية.
فقد جال وصال نصر الله في فضاء الانتصارات الوهمية فيما الجهود تنصبّ على خفض سعير الفتنة الشيعية-السنية المستشرية في المنطقة جراء عنجهية ايران. واتى كلام نصر الله بتركيزه على «اهل السنة» وتواطؤ حكامهم مع اسرائيل كمن يصب الزيت على النار، وخصوصا أن اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان محطة تأسيسية لفرض هذه الفتنة كما تبين لاحقاً. وخشية تطورات المنطقة بعد التمهيد لتدخل محتمل بري تركي- سعودي لمحاربة «داعش»، تحت مظلة التحالف الدولي، حاول نصر الله التقليل من اهمية هذه المستجدات التي لوحت روسيا بأنها قد تؤدي الى حرب عالمية. وقد تناسى كل حملة التشكيك التي شنها محوره قبل عام بشأن إمكان التدخل السعودي العسكري في اليمن.فحملته المتجددة على السعودية شملت هذه المرة تركيا ايضاً، ووضعتهما الى جانب اسرائيل في السعي للتخلص من بشار الاسد. وقد شدد على ان اسرائيل تسعى لازاحة الرئيس السوري باعتباره «عمود خيمة المقاومة» متناسيا انها لطالما سعت مداورة للحفاظ على من أمّن مصالحها على مدى عقود عبر هدوء جبهة الجولان، باستثناء العنتريات اللفظية ومنها مؤخرا اطلاق المقاومة من هذه المنطقة من دون ان تنفذ حتى الآن عملية واحدة. لقد اعطى نصر الله في خطابه اولوية لموقع اسرائيل، ملوحا بامتلاك ما يشبه القنبلة النووية بسبب صواريخه التي بإمكانها ان تطال مخازن غاز الامونيا في حيفا، في محاولة لاحياء مقاومة لم تنفذ اية عملية ضد الدولة العبرية منذ العام 2006 وحتى لم تثأر لكبار منها اغتالتهم تلك الدولة مؤخرا من سمير القنطار الى نجل عماد مغنية.