تعطيل الدولة لا يصنع من “حزب الله” دولة
عبد الوهاب بدرخان/النهار/6 نيسان 2016
والآن الى المراهنة على روسيا لإخراج ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية من جمودها. لا لشيء وإنما لأن الرئيس فلاديمير بوتين استقبل الرئيس سعد الحريري في الكرملين، ما أثار استياءً في أوساط “حزب الله” والتيار العوني. فالاميركيون والاوروبيون يقولون صراحةً إن روسيا هي التي تقود في سوريا، وبما أن الوضع اللبناني مرتبط بهذه الأزمة، فالأجدى أن تُراجَع موسكو، بدلاً من باريس مثلاً، طالما أنها ترتبط بتنسيق قريب مع طهران وتعمل على تطوير علاقتها مع الرياض. ورغم أن موسكو اعتمدت موقفاً معقولاً من الأزمة اللبنانية، خلافاً لمواقفها من الصراع في سوريا، إلا أن استمزاجها لطهران مراراً أحالها ويحيلها، تهرّباً أو خداعاً، الى “حزب الله” وأمينه العام. وهذا الأخير مرتبط بالمرشد و”الحرس الثوري” اللذين تركا له بتّ ملف الرئاسة، وفقاً لحساباته، لكن أيضاً وفقاً للمصلحة الايرانية. هذه “المصلحة” هي التي ترغم لبنان واللبنانيين على الانتظار، فإيران و”حزب الله” غير مطمئنين ولا مرتاحين الى أن الدور الروسي في سوريا يسير وفقاً لتمنياتهما. ليس فقط بسبب الخسائر البشرية التي تكبّداها في الشهور الأخيرة، بل خصوصاً لأن روسيا تجاوزت الادارة الثنائية (مع ايران) ونأت عن الخطط التي تبنتها في بداية تدخلها (حسم عسكري للصراع، تحالف اقليمي رباعي ضد الارهاب…)، والأهم أنها واصلت تطوير تفاهماتها مع الولايات المتحدة بشأن سوريا. يضاف الى ذلك أن موسكو تواصل التقارب مع الرياض، فيما يتصاعد الصراع السعودي – الايراني ويكتسب حدّةً خاصةً بالتركيز على “حزب الله”، رأس حربة الأدوار الايرانية في المنطقة. هذا يضع “الحزب” في موقع ملتبس مع انخراط الدول في مساوماتها. ومنطق “الحزب” يقول ان انتصار ايران في سوريا يعيده الى لبنان منتصراً فارضاً شروطه. سيحرص الروس والاميركيون على إرضاء ايران، لكنهم لن يلبّوا كل مطالبها وشروطها، تحديداً في ما يتعلّق بوضعية “حزب الله”. فحتى روسيا تعاملت معه في سوريا على أنه ميليشيا ايرانية وليس “حزباً”، واذا كانت ايران تدعم تعطيله الدولة اللبنانية فهذا لا يجعل منه “دولة” ينبغي أن تؤخذ مصالحها في الحسبان. وأي حلول لأزمات الاقليم لن تنجح اذا انزلقت الى “شرعنة” الميليشيات الايرانية وهيمنتها على الدول، ولا مستقبل لهذه “الأحزاب”/ الميليشيات إلا داخل بلدانها ومجتمعاتها وليس في بقائها في خدمة المشروع الايراني. اذا كان البحث الجاري عن حل سياسي في سوريا ينشد التوازن بإعطائه حصّةً الى “تيار النظام” وليس الى “شبّيحته”، فهل أن حلّاً كهذا (وهو يمثّل حدّاً أدنى من طموحات المعارضة) يمكن أن يناسب ايران وأتباعها، أو يستأهل أن يصرّ “حزب الله” على خياراته الغبيّة في لبنان؟ بالطبع لا، لذا تبقى المراهنة الايرانية على استمرار الصراع في سوريا، في انتظار تغيّرات أكثر ملاءمة، لكنها لن تأتي.
صراع الخيارات الإيرانية بين «الحوار» و«الصواريخ»
عبد الوهاب بدرخان/ “الاتحاد” الإماراتية/06 نيسان/16
هذه ليست أفضل المراحل بالنسبة إلى إيران، ليس فقط لأن «عاصفة الحزم» غيّرت مسار أحلامها الإقليمية، بل لأن بعض نتائج سياساتها بدأ يشير إلى حسابات خاطئة، وبعضاً آخر يشي بمبالغة في تقدير الذات، فضلاً عن بعض ثالث يُعزى إلى الطبيعة الإيديولوجية لا الواقعية للأهداف المرسومة. بين الحسابات الخاطئة أن أميركا- باراك أوباما مندفعة نحو إيران إعجاباً بحكم الملالي وتريد استمالتها من دون شروط. أما المبالغات فقادت إيران إلى الاعتقاد بأن المجتمعات العربية استكانت أو ماتت إلى غير رجعة أمام هجمة المليشيات ولن تجد سبيلاً داخلياً أو خارجياً لمواجهتها والسعي إلى الخلاص منها. وأما الأماني المؤدلجة فصوّرت لإيران أنه يمكنها، مثلاً، ابتلاع اليمن أو إخضاع العراق، أو أنها الطرف الثالث في أي محادثات أميركية- روسية بشأن سوريا. بين المكابرة والمخاتلة، لا تزال ماكينة السلطة في إيران تحاول عبثاً ضبط مفاعيل الاتفاق النووي استيعاباً أو احتواءً، لتتبيّن أنه فعل فعله في إدخال تغيير في عمق السياسة المتّبعة منذ بداية العقد الماضي. كان أحد المحركات الخفيّة للتنافس في الانتخابات الأخيرة، وشعر المتشدّدون بأنهم أمام تحدٍّ لم يواجهوه سابقاً. أدركوا أن معادلة تفكيك البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات لا تعمل بالطريقة التي تصوّروها، وأن الحفاظ على ذلك البرنامج من دون أي تغيير في السياسات الداخلية والخارجية ليس استنتاجاً واقعياً. فالاتفاق وفّر ميزات لطهران، لكنه شكّل نوعاً من منظومة اختراق لـ«السيستم» كلما قاومه النظام كلما أبطأ تنفيذ الاستحقاقات التي يترقّبها منه.
قبل أيام قال أوباما شخصياً إن عودة إيران إلى الاقتصاد العالمي «ستستغرق وقتاً»، وهذا ما ردّده العديد من الخبراء في كثير من المناسبات، ولكن هذا تحديداً ما لا يريد المرشد الإيراني أن يسمعه. فمنذ إعلان رفع العقوبات رسمياً، منتصف يناير الماضي، استشعرت طهران سيراً بطيئاً في الإجراءات ما قيّد الجانب الأكبر من استعادة نشاطها المصرفي، كما أن الدول التي تهافتت عليها لا تجد سهولة في مباشرة الصفقات معها بسبب فرملة أميركية. لذلك انعكس هذا الوضع على العلاقة بين المرشد والرئيس، واضطر حسن روحاني إلى إلغاء رحلتين إلى العراق والنمسا «لأسباب أمنية»، كما أُعلن، وهي حقيقية كما فُهم في طهران وفي الخارج. للمرة الأولى، بعد الاتفاق النووي، تستحثّ الدول الغربية الأربع الموقعة عليه مجلس الأمن لمناقشة في قضية الصواريخ الباليستية التي بدأت إيران تجري تجارب عليها، ولاتخاذ الموقف المناسب حيالها. منذ أعوام المفاوضات المتعثّرة، وفي أيام المفاوضات المتيسّرة، دأب الخبراء على القول إن ملف الصواريخ هو بخطورة الملف النووي، والبعض قال بل أكثر خطورة نظراً إلى تعذّر التوافق الدولي عليه. فتفاهمات مجموعة الـ5+1 اقتصرت على الشأن النووي، ولم تتمكّن من إقرار العقوبات إلا مع استثناءات للصين وروسيا. وإذ تُطرَح قضية الصواريخ الآن فإن الجدل أبرز تناقضاً بين واشنطن التي تقول إنها تنتهك القرار 2231 الذي صادق على الاتفاق النووي وفرض قيوداً على التسلح الصاروخي، وبين موسكو التي تقول إن «التجارب» لا تُعتبر انتهاكاً، أما طهران فتحاجج بأن الصواريخ «دفاعية» ولا تخضع للقيود. غير أن إيران تخفي المعلومات كما فعلت بالنسبة إلى البرنامج النووي.
كان يمكن لقضية الصواريخ أن تبقى في نطاق عسكري ضيق، لو لم تترافق بسيل من الاتهامات التي أطلقها خامنئي لأميركا بأنها «عدائية» وأن عقوباتها «تعوّق الصفقات»، إلى أن نشر موقعه الإلكتروني هذه العبارة «من يقولون إن المستقبل هو المفاوضات وليس الصواريخ إما جهلاء أو خونة»، ردّاً على رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي غرّد على «تويتر» قائلاً إن «عالم الغد هو عالم الحوار وليس الصواريخ». وجاء أيضاً في ردّ المرشد أن إطلاق الصواريخ «لازمٌ لمواكبة الدبلوماسية». وهكذا سلّط الرجلان الأضواء على قضية الصواريخ وعلى خلاف يعكس أيضاً انقساماً داخلياً حول خيارات المرحلة المقبلة، وخصوصاً أن خامنئي استخدم لهجة غير معتادة في دعوة روحاني إلى اعتماد «الاقتصاد المقاوم» الذي انتُهج في فترة العقوبات. ولعل في قول محسن رضائي أن واشنطن تشترط «تفكيك الحرس الثوري» لإتاحة انضمام إيران إلى منظمة التجارة العالمية ما يضيف سبباً آخر لغضب المرشد، وخصوصاً أن «الحرس» يهيمن على جانب كبير من الاقتصاد الإيراني.
وماذا عن ” أوراق بيروت “
نبيل بومنصف/النهار/6 نيسان 2016
تضج أنحاء واسعة من العالم منذ أيام بما سمي” أوراق بناما” التي كشفها عمل صحافي استقصائي متعدد الجوانب والجهات ، وما هو معلوم وغير معلوم بعد ، عن سر تسريب ملايين الوثائق التي تفضح تورطات زعماء وسياسيين وأسماء شهيرة في إخفاء الثروات والتهرب الضريبي . كنا لنخال اللبنانيين أكثر المبتهجين لحدث بهذه الطبيعة وبهذا الحجم الضخم من كشف ظواهر الفساد الضاربة جذوره في أربع رياح الأرض ، فاذا بنا امام لامبالاة ناشئة عن تطبع وتطبيع كاملين امام هذا الحدث نظرا الى اعتبارات باتت من طبيعة الواقع السياسي والاجتماعي المهترئ في لبنان. ولا نعتقد ان أحدا كان ليتوقع ان يتلقى اللبنانيون سيل التقارير المنسابة بكثافة خيالية عقب نشر التحقيق الصحافي الاول في اكثر من مئة صحيفة حول العالم عن “أوراق بناما” بذهول مثلما حصل في بلدان وعواصم كثيرة فيما بيروت تضج بيوميات فضائح وملفات متناسلة بما يتجاوز نماذج الفساد الضريبي وسواه ولا تبدل شيئا في واقع لبنان . ولا نظن أن بلدا حطم الأرقام القياسية في استهلاك الأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وبات في صدارة الدول الأضخم مديونية بفعل سياسات قاصرة وفاسدة متفشية في كل مفاصل الدولة والمؤسسات سيهلل لأنه اكتشف حقيقة عالمية جديدة تتمثل في زحف الفساد الى عشرات الدول . والأهم من ذلك أن السذج وحدهم يتوقعون من اللبنانيين أن يحتفلوا بانكشاف” أوراق بناما” فيما تذبل وتحرق “أوراق بيروت” يوما بيوم وساعة بساعة أمام فضيحة تلو الأخرى كأن الامر من “ريتم” روتيني تقليدي لا ينفصل عما يدأب اللبنانيون على سماعه ومعاينته كل يوم ولا يحدث أي تغيير. ولا ترانا ايضا في حاجة في معاينة أسباب البرودة اللبنانية امام حدث صحافي وسياسي عالمي بهذا الحجم ما دام اللبنانيون مفطورين على “تقاليد” غالبا ما تدفن معها العدالة ويجري التآمر عليها وعلى الحقوق فترى الموقوف في جرائم موصوفة حرا بعد ساعات من توقيفه . ولا نبعد اكثر لنتساءل بسذاجة عن طبقة سياسية ترفل بأمجادها ولا تخشى في أي شكل محاسبة ومساءلة قضائية أو نيابية أو أخلاقية وصولا الى البديهيات الأقصى في المحاسبة الانتخابية لان اللبنانيين تآمروا ويتآمرون على أنفسهم قبل أي أمر آخر وباتوا يتعاملون مع مبدأ المحاسبة والتغيير الجذري بانه ترف منسي. قد تكون عودة سريعة الى عناوين الملفات الفضائحية وبعضها كارثي في الأشهر الأخيرة فقط، بدءا بكارثة النفايات وما تلاها ، كفيلة وأكثر بكشف حقيقة أن لبنان ربما يكون أكثر البلدان التي يستحيل فيها إخفاء الفضائح ولكنه في الوقت نفسه أكثر البلدان تطبعا مع فضائحه . تلك هي طبيعة “أوراق بيروت” بما صارت عليه !