الجنرال سليماني: أميركا أخفقت في شطب «حزب الله»
أسعد حيدر/المستقبل/19 أيلول/15
تمدّد «الفصام» من الخطاب الخامنئي إلى خطاب الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق «القدس»، رغم كل مظاهر القوّة في الخطابَين، فإنّ فكفكتهما تؤكد ارتفاع منسوب القلق والخوف من التحوّلات التي تحدث في عمق المجتمع الإيراني حاضراً ومستقبلاً. خطاب المرشد آية الله علي خامنئي أمام الجمعية العامة الـ 21 لقادة ومسؤولي «الحرس»، تضمّن بعد وصفه للحرس بأنّه «النعمة الإلهية الكبرى والحارس الواعي والفطن للثورة»، التحذير من محاولة «أعداء إيران التغلغل في مراكز صنع القرار وإذا لم يستطيعوا التغلغل في مراكز اتخاذ القرار». وكأنّ المرشد يحرّض الحرس أو يكلّفه حتى بمنع حصول أي تحوّل عميق سياسياً كان أو اقتصادياً، وذلك «لأنّ الثورة حقيقة خالدة«. أمّا كيف يكون هذا المنع فإنّ «الحرس النعمة الإلهية الكبرى يكون هو الحارس الواعي والفطن للثورة ويعمل المرشد على تحديد مهمّات الحرس من خلال التركيز على الانتباه من أنّ تغلغل الأعداء في الجانبَين السياسي والثقافي أخطر بكثير من تغلغله الاقتصادي والأمني». ولعلها المرّة الأولى التي يشير المرشد فيها إلى غيابه عندما يوصي الحرس «بمنع الأعداء من تحقيق أهدافهم عندما لن أكون موجوداً هنا بعد عشر سنوات». الطريف في هذا التحذير أنّه يؤشّر إلى أنّ مجلس الخبراء القادم لن ينتخب المرشد الجديد حتى ولو فاز المعتدلون بقيادة هاشمي رفسنجاني، لأنّ فترة المجلس هي ثماني سنوات. أمّا قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني الذي يقود الجبهات الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فإنّ «الفصام» في خطابه يصل إلى القمّة. فهو ينقل عن الأميركيين أنّهم «يعتقدون (لا يحدّد متى قال الأميركيون ذلك ولمَن) بأنّ ظهور الثورة الإسلامية أدّى إلى انهيار اقتدار أميركا كقوّة كبرى». وما هذا التحوّل برأي الجنرال إلاّ «لأنّ الثورة الإسلامية في إيران قد أوجدت شرخاً جدّياً في عناصر القوّة لدى أميركا». المثال الكبير لهذا الشرخ يتجسّد برأي سليماني في «حزب الله»، إذ يقول: «إنّ أميركا بتحالفاتها التي أوجدتها سعت لشطب حزب الله من الساحة اللبنانية، إلاّ أنّها لا تمتلك القدرة على احتواء الحزب، لا بل أنّ الحزب قد أصبح أكثر قوّة»، ولذلك فإن أميركا تستخدم أدوات مختلفة وأساليب حديثة وجديدة، وأنّ مفتاح استعادتها قوّتها يتم من نقطة الانهيار وهي منطقة الشرق الأوسط التي هي نقطة نفوذ وتوسّع وتأثير الثورة الإسلامية».
أمّا أعمق مظاهر «الفصام»، التي منها تصوير أميركا وكأنّها هُزِمَت وتستجدي إيران، فهو الذهاب إلى «انّ محاولة أميركا لاستعادة قوّتها هي الإصرار على الاتفاق مع إيران». هذا مع أنّ الإيرانيين قبل العالم يعرفون حجم معاناة بلادهم للتوصّل إلى اتفاق مع واشنطن الى حد تخليهم عن «سيادتهم النووية» وجزء من سيادتهم الوطنية المتبلورة في الزيارة التفتيشية لموقع «بارشين» رغم كل التصريحات الإيرانية، خصوصاً من «الحرس» بمنع مثل عمليات التفتيش هذه. أمّا الرئيس حسن روحاني، فإنّه أمام الجمعية العامة الـ21 العامّة لقادة الحرس، أعطى للحرس حقّه وللقوى الشريكة الاخرى التي لم يلتفت المرشد وجعفري وسليماني إليها حقها خصوصاً الجيش، فنزع بذلك احتكار الدفاع عن الثورة من جانب الحرس الثوري وهو ما لم يسمعه قادته من قبل إذ قال: «صحيح أنّ الحرس الثوري هو المدافع عن الثورة ومكاسبها ومعطياتها، ولكن هذه المهمة تقع أيضاً على عاتق البرلمان والمجلس الأعلى للأمن القومي والجيش الإيراني والمؤسسات».
أمّا ختام كلام روحاني الجديد فشكّل «صفعة» قاسية، إذ قال: «إنّ الثورية لا تعني أن نتحدّث بثورية، ولكن أن نستطيع الدفاع جيداً عن مصالح الشعب».
الزبداني ترسم «خطـّها الأحمر» في وجه «حزب الله»
علي الحسيني/المستقبل/19 أيلول/15
ثلاثة أشهر مضت لم تُترجم خلالها أقوال «حزب الله» إلى أفعال، فالوضع في مدينة «الزبداني» على ما هو عليه، والمنطقة التي هلّل إعلام «الممانعة» بقرب سقوطها لفترة تزيد على المئة يوم، ما زالت حتى اليوم النقطة المستعصية والعالقة في أجندة «الحلف الثلاثي» الممثل بـ»حزب الله» والنظامين السوري والإيراني.
حتى الساعة لم يتمكن آلاف العناصر الذين كان قد استقدمهم الحزب من مختلف مناطق إنتشاره في سوريا ولبنان إلى محيط الزبداني، من فك لغز صمود المدينة وسر صمودها ومقاومة أهلها الذين يزدادون قوّة وشراسة يوماً بعد يوم، في ظل عجز الحزب عن إحراز أي تقدم خصوصاً أن المعركة أصبحت تنحصر في أقل من كيلومتر مربع واحد، ومع هذا ما زال «حزب الله» ومعه النظام السوري يتلقيان الضربات المتتالية بشكل شبه يومي وجعلتهما ينتقلان من وضعية الهجوم إلى الدفاع عن نقاط ثابتة وعن حواجز متنقلة تحوّلت هي الاخرى إلى صيد دائم وهدف متواصل لقناصة الأهالي والفصائل المسلحة.
من المؤكد أن الأشهر الثلاثة التي مرت منذ بدء معركة «الزبداني»، لم تكن فترة إختبار من قبل الحزب لاختبار حجم وقوّة «عدوه» ولا حتى بمثابة معسكر تدريبي لعناصره، بل كانت حرباً حقيقية استعمل خلالها «حزب الله» منظومته العسكرية كاملة، وقد فاقت تلك التي استخدمها قبلاً في «القلمون» و»القصير» وحتى تلك التي واجه من بها إسرائيل في العام 2006. وفي ظل عجزه هذا، يبرر الحزب عدم حسمه معركة «الزبداني» لغاية اليوم بربطها بمنطقتي «الفوعا» و»كفريا» الشيعيتين وبأنه يخشى على الأهالي هناك من عمليات ذبح على أيدي «التكفيريين» في حال سقوطها وأنه يسعى إلى إيجاد حل سياسي يُجنبه هذا السيناريو.
جملة إشارات تبرز حجم المعاناة والصعوبات التي يواجهها الحزب في الزبداني خصوصاً في ظل لعبة المصالح الدولية التي كانت قد برزت مع الإتفاق النووي الإيراني والتي أعقبتها جملة مفاوضات في تركيا بين الإيرانيين و»حركة احرار الشام» إحدى الفصائل السورية المسلحة حول «الزبداني» نفسها والتي انتهت بالفشل، مروراً بسحب نظام الأسد مجموعات مقاتلة من الزبداني بإتجاه الغوطة التي باتت تحت سيطرة المعارضة بنسبة تفوق الثمانين بالمئة وصولاً إلى إنتشار وحدات روسية مقاتلة في ريف اللاذقية، وهذا يُظهر حجم مخاوف الحزب من حصول صفقات جانبية على حساب تدخله في سوريا في ظل الحديث عن تعهدات إيرانية وصفت بـ»البنود السريّة» والتي يقضي بعضها بالموافقة على إيجاد حلول سياسية في سوريا يمكن ان يكون الأسد خارجها. من غرقه في فساد الداخل عن طريق حمايته تجار المخدرات وعصابات سرقة السيارات وحماية المطلوبين للقضاء والعدالة الدولية وتسخير مؤسسات الدولة لجماعاته وحلفائه، إلى غرقه في فساد الخارج وهذه المرّة في سوريا التي يقتل شعبها ويُهجره ويحتل أرضه، يُصرّ «حزب الله» على وصف كل ما يقوم به بأنه نابع من إيمان عقائدي بقضية «المقاومة» وبإلتزام أخلاقي بقضية شعب، علماً أن الشعب الذي يدّعي الحزب حمايته والتزام قضاياه، كان ضحيته لأكثر من مرة بعدما وجّه بندقيته إلى صدره وأدار ظهره لقضية الجنوب بعدما اتخذ منه رهينة لحربه في تموز 2006، ومن خلال جعله متراساً لمشاريعه الخارجية وهدفاً للإرهاب الذي حصد ضحايا من الضاحية الجنوبية والبقاع والشمال. وحيداً يجد الحزب نفسه اليوم في حرب استنزفت قواه العسكرية وأكلت من رصيده السياسي. كان يتحدث عن نصر مؤكد قبل ان يعود ويعلن تأجيل الحسم. دماء تسقط في غير محلها فلا يجد لها «حزب الله» مخرجاً سوى الإعتراف بشراسة المعركة التي تكبد خلالها خسائر فادحة في العديد والعتاد خصوصاً في منطقة السلطان التي خسر فيها ما لا يقل عن مئة وخمسين عنصراً من أصل ثلاثمئة كانوا قد سقطوا منذ ثلاثة أشهر. ووسط هذا المشهد القاسي تراجع إعلام «الممانعة» عن لغة «الإنتصار» وحل مكانها جملة يُرددها على الدوام وتتنقل من نشرة اخبارية إلى اخرى « تمكّن رجال المقاومة والجيش السوري اليوم من صد هجوم للمسلحين عن الطرف الغربي للزبداني». ثلاثة أشهر يمكن القول خلالها، أن لا شيء جديدا حتّى الساعة يُمكن أن يُضيفه «حزب الله» إلى سجلّه في الحرب السورية، سوى المزيد من الخسائر في صفوف كوادره وعناصره وقتله الشعب السوري، شعب حمل قضية المقاومة وجعلها قضيته قبل ان ترتد بندقيتها اليه وتقتله في منزل سبق أن آوى شعب هذه «المقاومة».
قرار إيران؟
علي نون/المستقبل/19 أيلول/15
ربما يتحمّل لبنان، وإن بصعوبة، وضعية المراوحة في المكان (المأزوم) ذاته، لكنه قد لا يتحمل خطوة سلبية واحدة الى الوراء.. خصوصاً وانه فقد منذ زمن، امكانية استعادة شيء من التمايز الذي جعله «مقصداً» في السلم كما في الحرب. الوضع سيئ في ذاته وفي حواشيه الإقليمية: لبنان سبق محيطه في تلقف تداعيات نهج الممانعة، وجلس طويلاً عند حافة الانهيار غداة جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ولا يزال منذ ذلك اليوم الاسود حتى الآن، يدفع ضريبة تمنّع معظم أهله عن الاذعان والرضوخ والاستسلام لذلك النهج. وذلك، افضى في النتيجة، الى تراكم أزماته فوق بعضها بعضاً، ورسّوها أخيراً عند برّ وسيط… لا انفجار، لكن ايضاً لا حلول لأزماته، ولا تبريد لانقساماته. اليوم هناك حديث آخر. وتسريبات مختلفة. وكلها تتقاطع عند التحذير من الأسوأ، ومن احتمالات غير مأنوسة ولا تبشّر بالخير، وتستند في معظمها، الى قراءة موقف ايران المتوتر و»القلق» من السياسات الاميركية في المنطقة، ومن الضربات المتلاحقة التي يتعرض لها مشروعها «التنويري» و»التثويري» في دنيا العرب والمسلمين، من اليمن الى سوريا! ثم انكشاف واقعها الداخلي على هشاشة كافية لأن تشيع حالة هلع من قدرة ليلة أنس توافقية في فيينا حول المشروع النووي، على محو تراكمات السنوات الـ35 الماضية من عمر الثورة! وقد يكون كل التلويح بهزّ اليقينيات القائمة منذ انفجار الثورة السورية، حول خبرية ان البلد محمي بمظلة، تَوافَقَ الجميع على رفعها فوقه دون سواه من نقاط التماس والاختلاف والاشتعال، يهدف الى الدفع نحو ترسيخ ذلك الاستقرار وتدعيمه بخطوات محددة أبرزها انهاء الفراغ الرئاسي (؟) وقد يكون تمهيداً فعلياً لشيء ما سيحصل ويؤكد ذلك المعطى المشؤوم.. لكن ما لا يمكن تغييبه في الحالتين هو أن إيران (من خلال أدواتها) هي الطرف الوحيد القادر على تخريب لبنان أمنياً، ونقله الى مرحلة دموية جديدة. منذ عشر سنوات والأمر كذلك، ولا يزال. وبالتالي، فإن الأسئلة الممكنة راهناً هي: هل قررت إيران فعلاً دكّ الاستقرار في لبنان لمحاولة إدخاله في بازار المقايضات الكبيرة مع الأميركيين وغيرهم؟ أم أن الأمر مرتبط بتطور الميدان السوري وبعملية الرسم بالسكين الجارية للخريطة الممتدة من الزبداني والقلمون الى اللاذقية ومنطقة الساحل؟ وهل ان عرسال في خطر كبير، ام ماذا؟ مجرد أسئلة، على وقع مناخ التهييج المستجد، وليس إلا!