إرهاب بوجهين فرنسي ولبناني
علي بردى/النهار/16 تشرين الثاني 2015
تتشابه بأوجه عدة الإعتداءات الإرهابية في كل من باريس وبيروت. غير أنها تدل على نوعين مختلفين من الفشل في منعها. تشير في فرنسا خصوصاً الى عجز الأنظمة الدولية القائمة – وليس بالضرورة مؤسسات الدولة الفرنسية – عن التعامل مع أكبر تهديد تواجهه الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. أما في لبنان، فيؤكد إخفاق الجهات غير التابعة للدولة اللبنانية في التعامل مع هذا الشر المستطير. تمارس “الدولة الإسلامية” (داعش) مركّباً من ظلامية العصور الوسطى وفاشية هذا العصر. لا تقيم أي اعتبار للحياة الإنسانية. ثمة اجماع دولي واضح على الحاق الهزيمة بهذا التنظيم وبـ”جبهة النصرة”. كل منهما وجد في سوريا خصوصاً – ولكن أيضاً في العراق، وبدرجة أقل حتى الآن في دول أخرى – أرضاً خصبة للذهاب الى أبعد الممكن في اتباع مذهب الإرهاب عند تنظيم “القاعدة”. الإرهاب ارهاب أينما وقع. أنشأ المجتمع الدولي مؤسسات وطوّر أنظمة لمكافحة الإرهاب عبر العالم. غير أن ما اتخذ من قرارات في مجلس الأمن، وتحديداً منذ الهجمات الإرهابية في 11 أيلول لم يؤد حتى الآن الى لجم هذه الظاهرة. تمكن وحوش هذا العصر من ترهيب الدول والأمم والجماعات والأفراد، من الولايات المتحدة الى فرنسا ومن روسيا الى نيجيريا ومن باكستان الى لبنان. معدودة هي البلاد التي لم تصل اليها أيدي الأشرار. بالإضافة الى فشل لجان العقوبات في احباط “القاعدة” وغيرها، لم تنجح المؤسسات الدولية في لجم هذا التصاعد المخيف لعدد الإرهابيين. سنّت غالبية الدول قوانين مشددة لمكافحة الإرهاب. غير أن النجاحات ظلّت محدودة نسبياً على رغم منح الأجهزة الأمنية والعسكرية مزيداً من الصلاحيات، طبقاً للقوانين الدولية والمحلية، في محاولة لتعزيز القدرات في هذه المواجهة الضارية. فرض الإرهاب تغييراً في أنماط الحياة. غير أن فرنسا رفضت التخلي عن قيمها في هذه المعركة. بل انها انتقدت الإجراءات التي اعتمدتها دول أخرى لإفراطها في الحد من حريات العامة والمس بخصوصيات الناس. العاصمة الفرنسية ليست مكاناً محلياً بل هي حاضرة انسانية عالمية. ليست مجرد مقصد عالمي لمعلم سياحي. استهدافها ليس استهدافاً لفرنسا حصراً. فشلت السلطات الفرنسية في منع هذه الهجمات. لكن الأكثر إثارة هو أخفاق الأنظمة الدولية الراعية لمكافحة الإرهاب في حماية باريس. تحتاج هذه الحرب الى انهاء الإنقسامات الدولية على سبل مواجهة الإرهاب مثلما تحتاج أيضاً الى احترام القوانين الدولية وحقوق الإنسان. أما الهجمات الإرهابية في بيروت، فتعني فشلاً ذريعاً للأجهزة الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب في ما تبقى من مؤسسات الدولة اللبنانية، ولكن كذلك وبدرجة أهم للجهات الأخرى التي أخذت على عاتقها هذه المهمة – وأبرزها على الإطلاق “حزب الله”. الضاحية الجنوبية مكان محلي يعني استهدافه استهداف جهة بعينها. الوحدة بين اللبنانيين واحترام سلطة الدولة وحكم القانون قد يكونان حاسمين في هذه المواجهة. لا فارق في أي حال بين الضحايا هنا والضحايا هناك.
هل تعجّل ضربات الإرهاب في حل الأزمات وفي انتخاب “رئيس تسوية” للبنان؟
اميل خوري/النهار/16 تشرين الثاني 2015
هل يعجل الإرهاب الذي أخذ يضرب في كل مكان ينتشر فيه في حل الأزمات في المنطقة بعدما طال أمدها وتفاقمت، فكانت ضرباته الأخيرة في ضاحية بيروت وفي ضاحية باريس، وقد تكون هي البداية في حجمها، فيتقرر إقامة جبهة دولية واسعة تتصدى لهذا الإرهاب الوحشي؟ وهل يعجل أيضاً في انتخاب رئيس للبنان يحصن جبهته الداخلية في مواجهته فيعيّد اللبنانيون بانتخابه مع حلول عيد الميلاد أو عيد رأس السنة، فيكون كلام الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الذي كرر فيه الدعوة الى “تسوية شاملة” قد تُرجم، وكذلك كلام المسؤول الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الذي دعا الى العمل بخطى حثيثة لانتخاب رئيس للبنان؟ لقد كرر السيد نصرالله الدعوة إلى “تسوية شاملة” والتي تعني الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى الحكومة وعلى مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية وعلى عمل مجلس النواب. وهذه الدعوة قد تكون أشبه بدوحة لبنانية بديلاً من الدوحة القطرية يعاد فيها توزيع الحصص بين القوى السياسية الأساسية في البلاد مع فارق أن القادة الذين ذهبوا إلى الدوحة بعدما كانوا قد اتفقوا على أن يكون العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، لكن انتخابه ظل متعثّراً إلى أن قرر مؤتمر الدوحة حلاً شاملاً لكل تشعبات الأزمة، أي تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد حصة كل حزب أو تيار فيها، واعتماد قانون الستين معدلاً لإجراء انتخابات نيابية. فهل يتفق الأقطاب في لبنان على كل ذلك من دون مسعى خارجي جاد، وهو ما حصل عند تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام، وما حصل عند التوصل إلى تسوية لأزمة انعقاد جلسة مجلس النواب، وهذا يدل على أن لبنان هو بلد التسويات بامتياز عند مواجهة الأزمات المعقدة.
ثمة من يقترح توصلاً الى تسوية شاملة دعا إليها السيد نصرالله، وحاول الرئيس نبيه بري التوصل إليها من خلال طاولة الحوار، أن يكون ثمن الاتفاق على رئيس تسوية مقبول وعلى قانون للانتخاب مقبول أيضاً، تشكيل حكومة تسوية. وثمة من يقترح أن يكون العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، وأن يتفق على قانون انتخاب عادل ومتوازن مقبول من الجميع. لكن هذا الاقتراح يعتبره البعض غير عادل وغير متوازن لأن مدة ولاية رئيس الجمهورية هي ست سنوات فقط، في حين أن لا مدة محددة لعمر رئيس الحكومة والحكومة، وهي خاضعة للظروف ولثقة الأكثرية النيابية غير المضمونة. وثمة من يقترح انتخاب رئيس للجمهورية يكون أقرب إلى 14 آذار منه إلى قوى 8 آذار شرط أن يكون قانون الانتخاب أكثر قبولاً من قوى 8 آذار لضمان فوز مرشحيها بأكثرية نيابية تجعلها تتحكم في تشكيل الحكومات وقراراتها وفي بت المشاريع المهمة في مجلس النواب. وقد يكون المقصود من اقتراح “تسوية شاملة” توزيع المكاسب والحصص، فمن تكون له رئاسة الجمهورية مثلاً يكون لغيره قانون انتخاب لا يقل أهمية عن رئاسة الجمهورية لأنه القانون الذي يأتي بمجلس نيابي يعيد تكوين السلطة ويظل ساري المفعول إلى أجل غير معروف، في حين أن رئاسة الجمهورية تنتهي ولايتها بعد ست سنوات والحكومات لا مدة لبقائها، وهو ما يجعل الصراع بين القوى السياسية الأساسية على قانون الانتخاب. ونظرا إلى اهمية ذلك يصر البعض على ربط الاتفاق عليه بالاتفاق على رئيس الجمهورية خلافاً لرأي آخر يقول بفصل موضوع الاتفاق على رئيس الجمهورية عن موضوع قانون الانتخاب الذي قد يحتاج التوصل إلى اتفاق عليه إلى وقت لا تتحمل البلاد انتظار حصوله كي يتم انتخاب رئيس للجمهورية فتبقى سدة الرئاسة شاغرة إلى أن يتم إقرار هذا القانون. لذلك ليس من المقبول والمعقول أن يقر مجلس النواب مشروع قانون للانتخابات النيابية قبل انتخاب رئيس للجمهورية قد يكون له رأي فيه، وله حق رفضه أو قبوله. من هنا ينبغي ألا يكرر أهل السياسة خطأ مخالفة الدستور باسم التسوية الشاملة كما حصل في مؤتمر الدوحة، إنما التقيد بأحكام الدستور التي تدعو إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أي عمل آخر، وبعد انتخابه تصبح الحكومة مستقيلة حكماً ويتم تشكيل حكومة جديدة تتولى وضع مشروع قانون تجرى الانتخابات النيابية على أساسه، ثم تشكيل حكومة منبثقة من تركيبة مجلس النواب الجديد، وليس إقرار قانون للانتخابات قبل انتخاب رئيس للجمهورية بذريعة أن مجلس النواب الحالي الممدد له لم يعد يمثل إرادة الشعب تمثيلاً صحيحاً، وان ما يبنى على باطل هو باطل… فهل يمكن القول إن خطر الإرهاب المتمدد قد يعجل في الاتفاق؟
الإرهاب يحفّز فيينا كما مبادرة نصرالله “دوحة لبنانيّة” تحوطها الشكوك وأزمة ثقة
روزانا بومنصف /النهار/16 تشرين الثاني 2015
لم يخف وزراء الدول الكبرى الذين اجتمعوا في فيينا السبت الماضي من أجل بحث متجدد في حلّ للحرب السورية غداة العمليات الارهابية في العاصمة الفرنسية التي روّعت الفرنسيين والأوروبيين وصدمت العالم بأسره محدثة حالاً واسعة من التعاطف والتضامن مع فرنسا في وجه الإجرام الذي لحق بعاصمة تعشقها شعوب العالم ولا سيما منها الشعوب العربية، ان هذه العمليات شكّلت حافزاً للدفع في اتجاه الاتفاق على خريطة حل للحرب السورية. خجل ديبلوماسيو هذه الدول من الخروج الى الرأي العام الدولي بعدم القدرة على الاتفاق مجدداً ولو على الحد الأدنى في ظل مخاطر باتت تتهددهم في عقر دارهم. كان التفجيران في برج البراجنة حصلا قبل يوم واحد من عمليات الارهاب في باريس وحصدا عدداً كبيراً من الأبرياء ما شكل حافزاً اضافياً للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله أن يكرر الدعوة الى تسوية سياسية شاملة في لبنان دعا إليها قبل يوم واحد من تفجيري برج البراجنة ولم تتح التطوّرات المتلاحقة داخلياً وخارجياً التي أعقبت إطلاقه هذا الموقف إبراز أي رد فعل. إلا أن الموقف الذي أطلقه وجد تزخيماً إضافياً على وقع التفجيرين الارهابيين تماماً كما وجد اجتماع فيينا زخماً إضافياً من تفجيرات باريس، لكن من دون معرفة ما إذا كان يمكن أن تشكل دعوته باباً جدياً للذهاب الى تسوية سياسية أبعد من الوقع الكلامي الإعلامي وفي إطار تسجيل تقدّم في موقف الحزب أبعد من المراوحة السياسية التي اعتمدها حتى الآن منذ تصلبه في موقفه من انتخابات رئاسة الجمهورية. تريّث الرئيس سعد الحريري أياماً قليلة قبل إبداء رد فعل على دعوة الأمين العام للحزب. لم تصدر تعليقات فورية لا إيجاباً ولا سلباً من الخصوم أو من الحلفاء الذين لم يخف بعضهم عنصر المفاجأة. انتظر البعض محاولة رصد أبعاد موقف السيد نصرالله الذي أطلقه بعد ساعات قليلة من زيارة مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبد اللهيان الأربعاء الماضي في 11 الجاري في ختام زيارة له لموسكو التقى فيها مسؤولين روس، وما إذا كان ذلك يؤشر الى اتجاهات إيرانية بالرغبة في تحريك الجمود السياسي في لبنان على وقع تطوّرات متوقعة على أكثر من صعيد إقليمي إذ لا يقبض كثر منطق التذرّع بأن البلد لم يعد يحتمل على رغم صحة هذا المنطق، لكن لا يعتقد انه السبب الفعلي لذلك ما لم يكن ينطوي على إقرار بأن الحزب بات يرى ضرورة له للخروج من حال الاستنقاع الى مرحلة تفعيل الوضع السياسي. والقول بالتسوية الشاملة بالنسبة الى البعض ليس جديداً في حد ذاته ما دام هذا المبدأ يحكم خلفية المتحاورين في ساحة النجمة وان يكن كثر يتمسكون بمبدأ انتخاب رئيس للجمهورية. لكن حين تتم مناقشة انتخابات رئاسة الجمهورية ومواصفات الرئيس ويتم الاستعداد للانتقال الى البحث في قانون الانتخاب فإنما للربط الذي يحدثه غالبية الأفرقاء على ما يسمونه السلة الكاملة أي الاتفاق الذي يشمل التوافق على رئيس للجمهورية وقانون الانتخاب ورئاسة الحكومة وحتى الحكومة باعتبار انه اتفاق دوحة جديد إنما يصنع في لبنان. الجديد هو في خروج السيد نصرالله من مربع التمسك بموقف معين معروف من الترشيح لرئاسة الجمهورية الى مكان آخر يقر فيه بان التسوية تفترض أخذاً وعطاء أي تنازل من هنا وهناك. وهذا ليس جديداً في منطق أي تسوية لكن بالنسبة الى غالبية المراقبين فإن مواقف الحزب كانت دوماً ولا تزال محاولة أخذ الآخرين الى شروطه.
على رغم محاولة تبين ما إذا كان ثمة ما قد يدفع في اتجاه تحريك فعلي للجمود السياسي أو إذا كان ثمة سعي لتجنب الأسوأ، فإن مراقبين كثراً يبدون حذراً ازاء حلحلة قريبة لأسباب عدة أبرزها ان لا ثقة بين الأفرقاء السياسيين لجهة الدوافع أو الأسباب وراء مثل هذه الدعوة انطلاقا من اقتناع بأن الحزب يبرز نسب مواقفه أي أن تكون عالية النبرة أو تصالحية بحسب الحاجة. وانعدام الثقة ينسحب على واقع أن تسوية الدوحة سرعان ما نسفها الحزب نفسه حين شعر بأن الأمور تميل لمصلحته حين أطاح حكومة الرئيس سعد الحريري على رغم التزامات قطعها على نفسه مع حلفائه في الدوحة وعلى رغم أن تأليف أولى حكومات ما بعد الدوحة لم يكن سهلاً أيضاً. أضف الى ذلك أن لا شيء يثبت حتى الآن أن الوضع قد يتجه نحو تسوية في المنطقة لكي يبدأ الكلام على تسوية حقيقية في لبنان ولن يكون هناك مؤشرات جدية ما لم يحصل تطوّر جدي في سوريا. لكن ذلك لا يمنع القول ان المؤشر الأبرز على ذلك سيكون التفاهم على قانون الانتخاب العتيد والمرونة التي يمكن أن يبديها كل الأفرقاء السياسيين في شأنه على رغم تأكيد البعض أن لا شيء كبيراً يميز بين قانون الانتخاب الذي وضعه المستقبل والاشتراكي والقوات اللبنانية وذلك الذي أعده الرئيس نبيه بري بحيث يمكن الاتفاق إذا صفت النيات. وفيما يقول البعض انه فهم من السيد نصرالله أنه لن يفرج عن انتخابات الرئاسة قبل الاتفاق على قانون انتخاب اعتبره العامل الأساسي في إعادة تكوين السلطة، يعتبر آخرون أن دعوته لا تخرج عن إطار محاولة التهدئة لأن ثمة استحالة في الاتفاق على قانون انتخاب جديد.