إرهاب باريس.. الفرحون اثنان!
طارق الحميد/الشرق الأوسط/16 تشرين الثاني/15
بعد وقوع جريمة الإرهاب البشعة في العاصمة الفرنسية باريس، التي راح ضحيتها مائة وتسعة وعشرون قتيلاً، وقرابة ثلاثمائة جريح، كان الفرحون بهذه الجريمة اثنين: «داعش»، وبشار الأسد نفسه، وليس أحد المحسوبين عليه. «داعش» بدوره تبنى العملية الإرهابية، وأطلق لها وسمًا أو «هاشتاغ» في «تويتر»، وأصدر بيانًا يفاخر بها، بينما قال بشار الأسد إن عملية باريس الإرهابية هي نتيجة السياسات الفرنسية الخارجية الخاطئة. وكان، أي الأسد، الوحيد الذي برر الجريمة الإرهابية، بدلاً من إدانتها، مثل باقي المجتمع الدولي. واليوم يبدو الأسد مكررًا نفس حماقة نظام صدام حسين بعد أحداث سبتمبر (أيلول) الإرهابية في أميركا عام 2001، حيث لم يستطع إخفاء فرحته التي كلفته حكمه، وحياته، وحياة أبنائه. ولذا فإنه لا غرابة أن يكون أبرز الفرحين بجريمة باريس الإرهابية اثنين، «داعش» والأسد، ولا فرق بينهما، فـ«داعش» تنظيم بربري إرهابي، والأسد قتل إلى الآن قرابة ربع مليون سوري، وشرد الملايين بإرهابه وجرائمه. وهذا يقول لنا، وللمجتمع الدولي، إنه لا سلام في المنطقة، ولا في دول البحر المتوسط، ولا في المجتمع الدولي، بوجود «داعش» والأسد، وهما وجهان لعملة واحدة، بل إن العالم لم يسمع بـ«داعش» إلا بعد الثورة السورية بعامين، وبعد أن أطلق الأسد، ومثله نوري المالكي في العراق، قيادات «داعش» الحالية من السجون! ولذلك فإنه لا سلام ولا استقرار، ما دام هناك بشار الأسد وتنظيم داعش. ولا يمكن القضاء على أحدهما قبل الآخر، إذ إنه لا أحد يملك ترف المقارنة ولا الاختيار، والأصل هو أن يسعى عقلاء العالم، ودعاة السلم والسلام، والحريصون على حفظ السلم الدولي، إلى اجتثاث الأسد و«داعش»، وفي نفس الوقت. وهذا أمر يتطلب ضغوطًا سياسية حقيقية وجادة، وليس تحركات دبلوماسية تجميلية، كما يتطلب جهدًا عسكريًا دوليًا حقيقيًا على الأرض، وليس عبر عمليات جوية. وبالنسبة إلى الغارقين في الوهم فلا بد أن يفيقوا ويتعقلوا، حيث تم التحذير من قبل بأن آلة القتل الأسدية ستشعل جذوة الطائفية المقيتة في المنطقة، ولم يصدق كثر هذا الأمر، وهو ما حدث. وقيل إن جرائم وآلة القتل الأسدية ستحرق المنطقة، وقالها الأسد نفسه مهددا، ولم يصدق كثر أيضا. وقيل إن حريق سوريا لن تطفئه مياه المتوسط، وسيصل إلى كل أوروبا، ولم يصدق كثر ذلك. فما الذي تبقى إذن ليفيق المجتمع الدولي ويدرك أنه لا استقرار ولا سلام بوجود الأسد و«داعش»؟
خلاصة القول هي أن للشر اليوم رأسين، ويطلان من سوريا تحديدًا، وهما الأسد و«داعش»، ومن يُرِد نزع فتيل الانفجار الإرهابي الكبير الذي يهدد الجميع، فإن عليه أن يبدأ بقطع رأسي النظام الأسدي و«داعش»، وعدا عن ذلك فإنه العبث بعينه، والقادم أسوأ.
البث المباشر.. بين بيروت وباريس
ديانا مقلد/الشرق الأوسط/16 تشرين الثاني/15
كما العالم بأسره، انشغل اللبنانيون بمتابعة العمليات الإرهابية في باريس.. بدا الاهتمام اللبناني بالحدث الفرنسي صدى لما حل في ضاحية بيروت قبل أقل من يوم بعد التفجيرات الانتحارية في برج البراجنة، التي أودت بعشرات الضحايا. صحيح أن الخسارة البشرية في باريس كانت أكبر وأفدح وأكثر خطورة في دلالاتها على مستوى العالم بأسره، لكن ذلك لم يمنع لبنانيين ولبنانيات بل وعربا كثيرين أيضًا من المقارنة في كل شيء، خصوصا في المتابعة الإعلامية.. بدا في التعليقات شيء من الغيرة والغبطة حتى في الموت. كتبت اللبنانية «تيما» أنه إذا كان مقدرا عليها أن تموت ضحية عمل إرهابي فهي تفضل أن تكون ضحية في باريس وليس في لبنان، لأنها هناك «ممكن لاقي حدا يغطيني بشرشف قبل ما يخطر عباله يصورني بتليفونه وما بتصير صوري وأنا مشوهة على (فيس بوك) وأصنف كضحية بصرف النظر عن هويتي وديانتي». ليس في هذا التعليق المباشر – ومثله ظهر كثير – أيّ مبالغة ربما، فبلادنا تعج بالأحداث الأمنية والحروب والانفجارات، وهذه الحال دفعت بكل وسائل الإعلام المحلية والعربية نحو منافسة شرسة في التغطية، خصوصا المباشرة. ومع ذلك لا نزال نجد أنفسنا في كل مرة يقع فيها انفجار وموت أمام مشاهد دم وأشلاء وأمام انفلات للهواء، فتحت ستار التغطية المباشرة يطلق العنان لكاميرات لا تتوانى عن انتهاك أجساد البشر جرحى أو موتى أو أشلاء. الهواء المباشر يستمر ساعات طوالا، فكيف سنملأ هذه الساعات؟! لا بأس إذن بإطلاق العنان لمشاعر مواطنين غاضبين لم يحسنوا ضبط احتقانهم وغضبهم فانصبت كلماتهم كراهية ضد آخرين، وكل ذلك ينتقل كالسموم في هوائنا. نكاد نعجز عن إحصاء المرات التي تنخلع فيها قلوبنا من وباء بات اسمه «البث المباشر»، وهو في الحقيقة لم يعد سوى «فوضى مباشرة» بحيث يترك الهواء لساعات مفتوحا بذريعة مواكبة الحدث الأمني، فنجد مراسلين في صراع مرير كي يقولوا معلومة أو يجروا مقابلة مع ناجين أو يضبطوا صورا دموية قاسية.. المخيب أنه في أحيان كثيرة لا جهد فعليا لضبط كل هذا، فيصبح الهواء التلفزيوني عبقا بكل أنواع الشحن والكراهية والخوف وما يسمى بالتحليل السياسي الفارغ لحدث لا يزال ساخنا.. ما زلنا حتى اليوم نجد من يسأل طفلا فقد أبويه: «وين ماما؟»..في باريس، قارب عدد الضحايا مائة وخمسين، وكانت كل وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية تقريبا في تغطية على مدار اللحظة. وهناك لا محظورات كبرى ولا رقابة أمنية كما في بلادنا، ومع ذلك لم نرَ صور جثث أو أشلاء. تذكرت هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 حيث ما زلنا حتى اليوم لم نرَ صورة واحدة لجثة أو لدماء.. ليس مبررا أبدا أن لا نكون قد تعلمنا بعدُ هذا الدرس، بل نحن نعرفه تماما، وكل وسائل الإعلام تعرف واجباتها ومسؤولياتها. فهنا ليس نقص الخبرة، ولا عنصر الضغط والمفاجأة هو ما يوقعنا في فخ ابتذال الهواء المباشر. إنه الخبث والتكاسل ذاك الذي يدفع بالبعض إلى الاستخفاف بحياة الناس ومشاعرهم، وهو أيضًا غياب رادع مهني ومساءلة.